للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القسم أعني دفع المكروه عدوانا هو شَرٌّ سببه الغضب، فإذا اجتنب الغضب اندفع عنه نصف الشر بهذا الاعتبار، وأكثره في الحقيقة، فإن الإنسان يغضب فيقتل أو يقذف أو يطلق امرأته أو يهاجر صاحبه أو يحلف يمينًا فيحنث فيها أو يندم عليها كما جاء في الحديث "اليمين حنث أو ندم" (١) وقد يغضب فيكفر كما كفر جبلة بن الأيهم (٢) حين غضب من لطمة أخذت منه قصاصا.

وبالجملة فالشر إنما يصدر عن الإنسان بشهوة كالزنا أو غضب كالقتل فهما أعني الشهوة والغضب أصل الشرور ومبدؤها، ولهذا لما تجرد الملائكة


(١) رواه البخاري في تاريخه ٢/ ١٢٩ وابن ماجه ١/ ٦٨٠ والحاكم ٤/ ٣٠٣ والبيهقي ١٠/ ٣٠ من طرق عن أبي معاوية عن بشار بن كدام عن محمد بن زيد عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الحلف حنث أو ندم.
ورواه البخاري ٢/ ١٢٩ ومن طريقه البيهقي ١٠/ ٣١ قال البخاري: وقال لنا أحمد بن يونس حدثنا عاصم بن محمد بن زيد، قال: سمعت أبي يقول: قال عمر بن الخطاب: اليمين إثمة أو مندمة. قال البخاري: وحديث عمر أولى بإرساله.
(٢) هو جبلة بن الأيهم الغساني ملك آل جفنة، أسلم في عهد عمر بن الخطاب، وحج فوطئ على إزاره رجل فحلَّه فغضب ولطمه فهشم أنفه، وطلب منه عمر القود فرفض ولحق بهرقل وتنصَّرَ ومات على النصرانية. وهو القائل:
تَنَصَّرَتِ الأشرافُ من أجْلِ لَطمَةٍ ... وما كانَ فيها لو صَبَرتُ لها ضَرَرْ
تَكَنَّفنِي منها لَحَاجٌ ونَخْوَةٌ ... وبعتُ لَهَا العينَ الصَّحِيحَةَ بالعَوَرْ
فيا لَيتَ أُمِّي لم تَلِدْني وَلَيتَنِي ... رَجَعْتُ إلى القولِ الذي قاله عُمَرْ
وَيَا لَيتَنِي أرعَى المَخَاضَ بِقَفْرَةٍ ... وكُنتُ أسيرًا في رَبِيعَةَ أو مُضَرْ
وانظر تمام القصة في الوافي بالوفيات ١١/ ٥٣ - ٥٧.