للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: هذا قول الجمهور (١)، وقد ذهب قوم إلى أن الله عزَّ وجلَّ قادر على الظلم، وهو متصور منه، لكنه لا يفعله عدلًا منه، وتنزها عنه، واحتجوا بقوله عزَّ وجلَّ {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [سورة ق: ٢٩] وهو تمدح بنفي الظلم، والحكيم (أ) لا يمتدح إلا بما يقدر عليه، ويصح منه، ولو قال الأعمى: إني لا أنظر إلى المحرمات على جهة التمدح (ب) لضحك منه الناس، وقالوا: شيء لا يقدر عليه، كيف يتمدح بتركه، وأيضًا قوله: "إني حرمت الظلم


(أ) في س والحكم.
(ب) في م المدح.
(١) تناول المؤلف لهذه المسألة فيه نظر، يعلم مما يأتي:
قال الإمام ابن القيم: إن طرق الناس اختلفت في حقيقة الظلم الَّذي يُنزه عنه الرب سبحانه وتعالى، فقالت الجبرية: هو المحال الممتنع لذاته كالجمع بين الضدين، وكون الشيء موجودا معدوما، قالوا: لأن الظلم إما التصرف في ملك الغير بغير إذنه، وإمَّا مخالفة الآمر، وكلاهما في حق الله تعالى محال، فإن الله مالك كل شيء، وليس فوقه آمر تجب طاعته، قالوا: وأما تصور وجوده وقدر وجوده فهو عدل كائنا ما كان، وهذا قول جهم ومن اتبعه، وهو قول كثير من الفقهاء أصحاب الأئمة الأربعة، وغيرهم من المتكلمين.
وقال أهل السنة والحديث ومن وافقهم: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وهو سبحانه حكم عدل، لا يضع الشيء إلا في موضعه الَّذي يناسبه ويقتضيه العدل والحكمة والمصلحة ... وهذا قول أهل اللغة قاطبة، وتفسير الظلم بذينك التفسيرين اصطلاح حادث، ووضع جديد ... وهذا القول هو الصواب المعروف في لغة العرب والقرآن والسنة، وإنما تحمل ألفاظهما على لغة القوم، لا على الاصطلاحات الحادثة، فإن هذا أصل كل فساد وتحريف وبدعة، وهذا شأن أهل البدع دائمًا يصطلحون على معان يضعون لهما ألفاظا من ألفاظ العرب، ثم يحملون ألفاظ القرآن والسنة على تلك الاصطلاحات الحادثة. (مختصر الصواعق ١٩٨ - ١٩٩ دار الندوة الجديدة بيروت).