للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ولا اختصاص للعرب بهذا، فإن جميع أصحاب الأموال يبتغون مواقع القطر، وغير العرب أحق بهذا النبز من العرب، إذ لا يوجد في سائرهم أقل ماء من العرب، ولا أصبر على فقدانه منهم. وأرى أنه خاطب بهذا القول الأنصار، فإن ماء السماء لقب عامر بن حارثة الأزدي، وهو أبو عمرو مزيقياء، وهو الذي خرج من اليمن لما أخبر بسيل العرم، وسمي ماء السماء، لأنه كان إذا أجدب قومه مائهم حتى يأتيهم الخصب، فقالوا: هو ماء السماء. وقيل لولده: بنو ماء السماء، ومن ولده الأنصار وملوك الشام.

ومن قيل بعض الأنصار:

أنا ابن مزيقيا عمرو، وجدي .... أبوه عامر ماء السماء

ويقال لملوك العراق أيضاً: بنو ماء السماء، نسبوا إلى أمهم أم المنذر بن امرئ القيس اللحمي، وهي: بنت عوف بن جشم، سميت بذلك لجمالها، وهذا مما لا مدخل له فيما نحن فيه، وإنما ذكرناه دفعاً للالتباس.

[٤٣٠٤] ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-: (نحن أحق من إبراهيم إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى) أي: نحن أحق بهذا السؤال منه، أراد بذلك تفخيم أمره، وأن ذلك منه لم يكن لنقصان في يقينه، ونحن أحق بطلب تلك المنزلة لحصول الاطمئنان.

ورواه بعضهم: (نحن أحق بالشك من إبراهيم) يريد أن هذا السؤال منه لم يكن لشك، ونحن أحق بالشك منه، ولسنا نشك فيه، فكيف يجوز أن يشك هو فيه؟ والقصد في نفي الشك عن إبراهيم، لا إثبات الشك لنفسه أو لمن اتبعه. وأصح الطرق ما لم يذكر فيه الشك، وإنما حذفه واقتصر الكلام كراهة أن يجعل لنفسه مثل السوء، وكان من دأبه الكريم أن يعدل عن مثل هذه الألفاظ ويحتشم عنها.

وفيه: (يرحم الله لوطاً، فإنه كان يأوى إلى ركن شديد) كأنه استغرب منه هذا القول، وعده بادرة منه، إذ لا ركن أشد من الركن الذي كان يأوي إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>