للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنشدك عهدك ووعدك ...) الحديث. يقال: نشدت فلانا أنشده نشدا إذا قلت له: نشدتك الله، أي: سألتك بالله، وقد يستعمل في موضع السؤال، قال الأعشى:

وإذا تنوشد في المهارق أنشدا

أي: إذا سئل بكتب الجوائز أعطى، وقوله: تنوشد في موضع نشد أي: شئل، والعهد- هاهنا- بمعنى الأمان، يريد: أسألك أمانك وإنجاز وعدك الذي وعدتنيه بالنصر.

فإن قيل: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم الناس بالله، وقد علم أن الله سبحانه لم يكن ليعده وعدا فيخلفه، فما وجه هذا السؤال؟!

قلنا: الأصل الذي لا يفارق هذا الحكم هو أن الدعاء مندوب إليه، علم الداعي بحصول المطلوب أو لم يعلم؛ ثم إن العلم بالله يقتضي الخشية منه، ولا ترتفع الخشية من الأنبياء- عليهم السلام- بما أوتوا ووعدوا من حسن العاقبة، فيجوز أن يكون خوفه من مانع ينشأ ذلك من قبله أو من قبل [٣١٠] أمته فيحبس عنهم النصر الموعود ويحتمل أنه وعد بالنصر، ولم يعين له الوقت، وكان على وجل من تأخر الوقت فتضرع إلى الله لينجز له الوعد في يومه ذلك، وما أظهر من الضراعة، وبالغ فيه برفع اليدين حتى سقطت الخميصة التي كانت عليه عند رجليه، على ما هو في الحديث. ففيه سوى ما توخاه من التذلل بين يدي الله على ما هو حق العبودية كشفه للأصحاب عن أنه النصر، كي يشجعهم بذلك ويؤيدهم ويثبت أقدامهم. ومن هاهنا قال أبو بكر- رضي الله عنه-: (حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك). يريد: أنك قد بالغت في الدعاء كل المبالغة، وقد علم المؤمنون بأن الله- سبحانه- سيبجيب دعوتك، وتحققوا بذلك فلا حاجة بك إلى زيادة على ما صنعت. هذا وجه هذا الحديث؛ إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بالله من أبي بكر وأقوى يقينا منه، وأولى بالثقة بوعده، ولا يجوز أن يتوهم متوهم أن أبا بكر- رضي الله عنه- قال هذا القول تطبيبا لقلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو تأييدا له أو تغييرا عليه، معاذ الإله؛ فإن هذا مما لا يحسن بعوام المؤمنين فضلا عن صديق هذه الأمة، وأعلمهم بالله وبرسوله، وأشدهم تمسكا بالأدب بين يديه، والله أعلم.

وفي حديثه أيضا عن قول الملك:: (أقدم حيزوم). أقدم بفتح الهمزة زجر للفرس كأنه يؤمر بالإقدام، وقد رواه بعض أهل الحديث- بل أكثرهم- بكسر الهمزة، والصواب فتحها.

وحيزوم: اسم فرس من خيل الملائكة، سمي بأقوى ما يكون من الأعضاء منه، وأشد ما يستظهر به الفارس في ركوبه منه وهو وسط الصدر، وما يضم عليه الحزام.

ومنه قول علي- رضي الله عنه-:

اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك

<<  <  ج: ص:  >  >>