للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٤٧٠] ومنه حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه-: (بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم قسما). القسم: مصدر قسمت الشيء فانقسم، سمي الشيء المقسوم وهو الغنيمة بالمصدر، والقسم بالكسر: الحظ والنصيب من الخير، مثل: طحنت طحنا، والطحن بالكسر: الدقيق، ولا وجه للمكسورة في هذا الحديث؛ لأنه يختص إذن [بفرد نصيب]، وهذا القسم كان في غنائم حنين، قسمها بالجعرانة.

وفيه: (وقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل). خبت وخسرت على ضمير المخاطب. لا على ضمير المتكلم، وإنما رد الخيبة والخسران إلى المخاطب على تقدير عدم العدل منه؛ لأن الله- تعالى- بعثه رحمة للعالمين، وبعثه ليقوم بالعدل فيهم، فإذا قدر أنه لم يعدل فقد خاب المعترف بأنه مبعوث إليهم وخسر؛ لأن الله لا يحب الخائنين فضلا من أن يرسلهم إلى عباده، ويحتمل أن يكون التقدير: خبت وخسرت إذا اعتقدت أني لم أعدل، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكره أن يضيف الأمر المكروه إلى نفسه، وإن كان على سبيل الحكاية، وإذا حكاه عن غيره أتى به معدولا عن صيغته تنزها في القول عما نزهه الله منه، فعدل به هاهنا عن نفسه إلى المخاطب؛ لأنه كان حقيقا بذلك، وإنما قال لعمر- رضي الله عنه-: (دعه فإن له أصحابا ...). الحديث. تنبيها على أنهم يصلون، وأنه نهى عن قتل المصلين.

فإن قيل: أو لم يقل في إحدى الروايتين من هذا الحديث: (لئن أدركتهم لأقتلنهم) فكيف التوفيق بين القضيتين؟

قلنا: إنما يحل قتلهم بإظهار الخلاف والمفارقة عن الجماعة وترك الطاعة بالخروج على الإمام، والتألب لقتال من خالفهم في رأيهم، ولم يوجد ذلك يومئذ، وإنما وجد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبع وعشرين [٣١٤] سنة.

وفيه: (يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم) يريد: أنه لا يخلص عن ألسنتهم وآذانهم إلى قلوبهم وأفهامهم. وفيه: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) أي: يمرون عليه مرا سريعا بحيث لا يتمكن الأمر والنهي عنهم. والدين: الطاعة، واستعير للشريعة؛ أي لا يدينون دين الحق. والرمية: الصيد يرمي، شبههم في ذلك بالرمية لاستيحاشهم عما يرمون به من القول النافع، ثم وصف الشيء الممثل به في سرعة تخلصه وتنزهه عن التلوث بما يمر عليه من فرث ودم، ليبين المعنى المضروب له، والرصاف العقب الذي يلوي فوق الرعظ، وهو مدخل النصل واحدها رصفة والمصدر منه الرصف بالتسكين أيضا، ونضى السهم: ما يأتي الريش في النصل، وقال أبو عمرو: النضى: نصل السهم، والأول أشهر وأشبه، والتفسير الذي في الحديث، فالأشبه أنه من قول بعض الرواة أدرجه في الحديث وفيه نظر؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>