للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إجماع الأمة أن الإمام إذا سها، لم يكن لمن خلفه أن يكلمه، بل يسبح له، بتعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - فدل تعليمه بالتسبيح على أن الكلام منسوخ، وفي حديث عمران وأبي هريرة ما يدل على أن ذلك كان قبل استقرار الأحكام؛ لأن أبا هريرة قال: سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم مضى إلى خشبة في المسجد، وقال عمران: مضى إلى حجرته، فدل هذا على أنه صرف وجهه عن القبلة، وبعد استقرار الأحكام لم يجز لأحد أن يفعل مثل ذلك في صلاته، ثم قال: فإن قيل: كان فعلهم هذا سهوا منهم، قلنا: فيجب إذا طعم ناسيا أو شرب أو باع أو اشترى في الصلاة ساهيا أن لا يخرجه ذلك من الصلاة، لأن ذلك فعل، والفعل كله في الصلاة إذا لم يكن من أفعالها كان مفسدا لها، إلا ما خص بدليل، قال: ومما يدل على أن ذلك كان قبل نسخ الكلام، أن القوم تكلموا من غير سهو، فقالوا: صدق يا رسول الله، صليت ركعتين، ثم قال: فإن قيل: كيف يجوز أن يقال: هذا منسوخ وأبو هريرة قد حضر تلك الصلاة؛ وهو قد صحب رسول الله ثلاثا من أواخر أعوام الهجرة، ونسخ الكلام كان بمكة، قلنا: بماذا عرفتم أن نسخ الكلام كان بمكة، وزيد بن أرقم الأنصاري يقول: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت {وقوموا لله قانتين} فأمرنا بالسكوت، وصحبة زيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كانت بالمدينة، ولم يحضر أبو هريرة تلك الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ذا اليدين استشهد يوم بدر، ذكر ذلك محمد بن إسحق، وقد روي عن ابن عمر- رضي الله عنهما- ما يوافق ذلك، وهو أنه قال، لما ذكر له حديث ذي اليدين فقال: كان إسلام أبي هريرة بعد ما قتل ذو اليدين. وقال الطحاوي: إنما قول أبي هريرة: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني بالمسلمين، وهذا جائز في اللغة، وقد روي عن النزال بن سبرة، أنه قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف ... الحديث) يريد النزال بقوله: قال لنا، أي: قال لقومنا؛ لأنه لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستشهد الطحاوي بأمثال ذلك من الكلام، وأما أبو سليمان الخطابي، فإنه قال في كتاب (معالم السنن): أما نسخ الكلام في الصلاة فإنه كان بمكة، ولا موضع له هاهنا.

قلت: وحديث زيد بن أرقم الذي احتج به أبو جعفر يحكم بخلاف ذلك، وهو حديث صحيح، وقد استدرك أبو سليمان قوله ذلك في كتاب الأعلام، فقال: إن نسخ الكلام في الصلاة إنما وقع بعد الهجرة بمدة يسيرة، وأبو هريرة راوي هذا الحديث متأخر الإسلام، وقد رواه أيضا عمران بن حصين وهو متأخر الإسلام أيضا.

قلت: وقد تبين من حديث زيد بن أرقم الأنصاري الخزرجي أن نسخ الكلام كان بعد الهجرة، غير أنا (٩٥/أ) لم نطلع من حديثه على زمان معلوم، ولو نظرنا إلى حداثة سنه، رأينا أن زمان النسخ كان متأخرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>