للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد بـ (عرق الجبين): ما يكابده من شدة السياق التي يعوق دونها الجبين؛ وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (موت المؤمن بعرق الجبين؛ تبقى عليه البقية من الذنوب فيحارف بها عند الموت) أي يشدد عليه لتمحص عنه ذنوبه، من قولهم: (حورف كسب فلان): إذا شدد في معاشه؛ كأنه ميل برزقه عنه.

وقال الهروي: يحارف، أي: يقايس؛ فيكون كفارة لذنوبه، والمحارفة: المقايسة بالمحراف، وهو الميل الذي يسير به الجراحات والأول: أقيس.

ونقل عن ابن سيرين؛ أنه قال: علم بين من المؤمن عرق الجبين.

وقد ذهب بعض أهل الفهم: إلى أن المراد من عرق الجبين: كد المؤمن في طلب الحلال، وتضييقه على النفس بالصوم والصلاة حتى يلقي الله وهذا وإن كان وجهاً لا بأس به- فإن التأويل هو الأول.

ومنه ١٣٠] /ب [: حديث عبيد بن خالد السلمي البهزي رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: (موت الفجأة: أخذة الأسف):

فجئه الأمر، وفجاة: فجاءة- بالضم والمد: إذا أتاه بغتة، وكذلك فاجأه الأمر مفاجأة، وفجاء والأسف: الغضب؛ وعلى هذا: فالسين منه مفتوحة، وقد رواه الخطابي بكسر السين، فسره بالغضبان.

قلت: وفي كتاب الله: (غضبان أسفا) أي: شديد الغضب، ملتهفاً على ما أصابه.

وذهب الخطابي إلى ما ذهب؛ بناء على ما بلغه من الرواية.

ووجدنا الأعلام من أصحاب الغريب فسروه ب (الغضب)؛ وعلى هذا: فلا خفاء أن الرواية- عندهم- بفتح السين، ثم إن السبيل في صفات الله سبحانه: ألا يتجاوز بها عن النص الصحيح الموجب للعلم.

وإضافة الغضب إلى الله تعالى ورد بها السمع في كتاب الله، وسنة رسوله، ومعناه: الانتقام، وأما تسميته بالغضبان على الإطلاق من غير ضميمة: فإنه شيء لم يرد به النقل المتواتر، ثم إن الرواية المعتد بها بفتح السين؛ فالعدول عن الرواية الأخرى إلى هذه هو الصواب.

والمعنى: أن موت الفجاءة من آثار غضب الرب؛ لأنه أخذ بغته؛ فلم يتفرغ أن يستعد لمعاده على سنة من درج من عصاة الأولين؛ قال الله تعالى: (أخذناهم بغتة)، وقد ورد في الحديث؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن موت الفجاءة؟ فقال: (راحة للمؤمن، وأخذة للمؤمن، وأخذة أسف للكافر)، فإن صح هذا، جعلنا الأمر فيه مخصوصاً بالكفار.

<<  <  ج: ص:  >  >>