للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى نحو هذا المعنى: يحمل حديث أبى هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: قال الله تعالى: (أحب عبادي اعجلهم فطرًا).

أى: الذين يخالفون اهل البدعة فيما يعتقدون من وجوب ذلك.

ويحتمل: أنه أراد به جمهور هذه الأمة الذين يتدينون شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - أى: هم أحب إلى ممن كان قبلهم من الأمم، والأول أشبه [١٦٠/ب].

قلت: ولو ان بعض الناس صنع هذا الصنيع، وقصده في ذلك: تأديب النفس، ودفع جماحها، أو مواصلة العشاءين بالنوافل غير معتقد فيما يعتقده أولئك الفئة الزائغة من القول بوجوبه لم يضرره ذلك، ولم يدخل به في جملتهم، كيف ويصحح هذا التأويل: الحديث الصحيح الذي رواه أبو سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تواصلوا، فأيكم إذا اراد أن يواصل فليواصل إلى السحر).

وتأخير الإفطار- نظرًا إلى سياسة النفس،- أمر قد صنعه كثير من الربانيين، وأصحاب النظر في الأحوال والمعاملات، أعاد الله علينا بركتهم.

[١٣٥٧] ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمر بن الخطاب: (فقد افطر الصائم). (أفطر) أى: دخل في وقت الإفطار وجاز له أن يفطر؛ كقولهم: أمسى، وأصبح، وأطهر: إذا دخل في تلك الاوقات، وقيل: صار في الحكم المفطر وإن لم يأكل.

[١٣٥٨] ومنه: حديث أبى هريرة - رضى الله عنه: (ٍنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال ... الحديث).

وجه النهى عن الوصال: هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد بعث بالحنيفية السهلة السمحة، وكان يختار لأمته الاقتصاد في المعاملات؛ كيلا يقضي بهم التعمق إلى السآمة والفترة، ولا يشق عليهم مشقة تحول بينهم وبين كثير مما أمروا به؛ فيوجد عنهم التراجع في العبادة؛ كما كان من اصحاب الصوامع والديارات في الرهبانية التي ابتدعوها فهما رعوها حق رعايتها، وكان هو يواصل بارتفاع قدره عن تلك العلل، وقد بين ذلك بقوله: (أيكم مثلى؛ إنى أبيت يطعمني ربي ويسقينى) أى: يؤتينى من التأييد والتوفيق ما يقع عندى- في القوة على عبادته- موقع الطعام والشراب من أحدكم.

وقد ذكر بعض العلماء في شرح هذا الحديث قضيتين رأينا الكشف عنهما؛ لتعلقهما بما نحن فيه: أحدهما: أنه قال: الوصال من خصائص ما أبيح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محظور على أمته.

قلت: سلك في الاصطلاح ملك الفقهاء؛ فإنهم يسمون ما ورد به نهى محظورًا، كان ذلك الشيء مكروهًا أو محرمًا؛ وذلك لأن الحظر هو الحجر، وهو خلاف الإباحة، والحظر أيضًا [١٦١/أ] المحرم، فإنه اراد بالمحظور أنه منهي عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>