للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرضه مسيرة سبعين عاماً للتوبة الحديث. والمراد منه [والله أعلم- أن أمر التوبة هين] والناس عنه في فسحة وسعة ما لم تطلع الشمس من مغربها فإن باب [سعة] عرضه مسيرة سبعين عاماً لا يكاد يتضايق عن الناس إلا أن يغلق (١٩٥/ ١) وإغلاقه بطلوع الشمس من مغربها وذلك أن الناس [ترفع منهم] الأمانة ويصرون على المعاصي ويكثر فيهم الخبث، فلا تؤثر فيهم النذارات فيفجأهم تعالى بهذه الآية الملجئة إلى التوبة فيضطرون إلى الإيمان والتوبة في غير أوان التكليف، فلا ينفعهم ذلك، ويتحمل أن يكون الباب الموصوف عرضه بمسيرة سبعين عاماً هو المقدار [الذي] يتسع لجرم الشمس في طلوعها.

[١٦٢٣] منه حديث ابن عباس - رضي الله عنه- في قوله تعالي: {إلا اللمم} الحديث اللمم: ما قل وصغر، ومنه قولهم: ألم بالمكان إذا قل فيه ليثه وألم بالطعام: إذا قل منه تناوله ويقال: زيارته لمام، أي قليلة، ومنه قول القائل:

لقاء أخلاء الصفاء لمام

وإلى هذا المعني أشار ابن عباس - رضي الله عنه- بما نقله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن تغفر اللهم تغفر جماً وأي عبد لك لا ألما)، وقوله تعالى {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم} الاستثناء فيه منقطع ويجوز أن يكون قوله: {إلا اللمم} صفه إي: كبائر الإثم فالفواحش غير اللمم، قد تنوعت أقاويل أهل التفسير فيه، فمن قائل: هو النظرة والغمزة والقبلة، ومن قائل: الخطرة من الذنب ومن قائل: كل ذنب لم يذكر الله تعالى فيه حداً ولا عذاباً، ومن قائل عادة النفس الحين بعد الحين. ولا خفاء بأن المراد منه صغائر الذنوب لما ذكرناه من الشواهد اللغوية. فإن قيل فما وجه قول ابن عباس فيما أحال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشعر وكان لا يقول شعراً.

قلنا: البيت لأمية بن أبى الصلت الثقفي وكان - صلى الله عليه وسلم - يعجبه شعره وكان يقول فيه: أسلم شعره فيلفظ به على إرادة الدعاء والاستحان له، فاستشهد به ابن عباس معنى اللمم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو من الرجز وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الرجز ليس بشعر، وإنما الشعر ما كان مقفى آخره بعد تمام أوصاله على إحدى الأعاريض المشهورة من أنواعه فلهذا كان يجري هذا النوع على لسانه وكان يتجنب عما

<<  <  ج: ص:  >  >>