للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد بالحدث البدعة، وذلك ما لم تجر به سنة، ولم يتقدم به عمل، وبالمحدث: المبتدع، وروي بعضهم: (المحدث): بفتح الدال، وليس بشيء؛ لأنه بكسر الدال هي الرواية الصحيحة، ثم إن فيه من طريق المعني وهنا، وهو أن اللفظين حينئذ يرجعان إلى شيء واحد؛ فإن إحداث البدعة وإيواءها سواء، والإيواء قلما يستعمل في الإحداث، وغنما المشهور استعماله في الأعيان التي تنضم إلى المأوي.

وفيه: (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم):

الذمام والذمة: ما يذم الرجل على إضاعته من عقد، والمعني: أن المسلم إذا أعطي ذمته لمن يخالفه في الدين لم يكن لأحد من المسلمين أن ينقض العقد الذي عقد به ذلك في استئمانه، وإن كان ذلك المسلم من أدنى المسلمين منزلة. وقوله: (ذمة المسلمين واحدة) أي: أنها كالشيء الواحد لا يختلف باختلاف المراتب، ولا يجوز نقضها لتفرد العاقد بها، وكأن الذي ينقض ذمة أخيه كالذي ينقض ذمة أخيه كالذي ينقض ذمة نفسه.

فقوله: (يسعى بها) أي: يتولاها ويليها ويذهب بها، والأصل في السعي: المشي السريع، ويستعمل للجد في الأمر؛ فمن خفر ملما، أي نقض عهده، وحقيقته: أزال خفرته، والخفرة هي العهد والأمان.

وفيه: (لا يقبل منه صرف ولا عدل):

قيل: فريضة ولا نافلة [٤٩ / أ]

وقيل: توبة ولا فدية، وقد ذكرناه فيما قبل.

وفيه: (ومن والي قوما غير مواليه):

قال الطحاوى: إنما أراد به ولاء الموالاة؛ لا ولاء العتق.

قلت: هذا حسن، غير أن نسق الكلام في قوله: (من أدعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه) يدل على أنه أراد به ولاء العتق، فإن له لحمة كلحمة النسب، وفيه, إبطال حق مواليه، وهو بالانقطاع عنهم، والانتماء إلى غيرهم، كالدعى الذي تبرأ عمن هو له، ويلحق نفسه بمن سواه، وفي ذلك قطع الرحم، وهتك الحرمات، وبه استوجب الدعاء عليه بالطرد والإبعاد.

فإن قيل: فإذا كان المعني على ما أدعيت، فلم شرط فيه الإذن، وهو حرام، ووجود الشرط وعدمه في ذلك سواء؟

قلنا: بني الأمر في ذلك على الغالب، وهو أنه إذا استأذن مواليه، ل يأذنوا له وعلى هذا: فذكر الإذن فيه إرشاد إلى السبب المانع عنه، ويرع معني ذلك إلى التوكيد؛ لتحريه، والتنبيه على بطلانه، وأنه لا يملك ذلك، وليس له أن يتار شيئا منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>