للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا: يفسرها أكثر أهل اللغة، وهي فعيلة بمعني مفعولة، وإنما أدخلت فيها الهاء؛ لأنها أفردت فصارت في عداد الأسماء، مثل: النطيحة والأكيلة، ولو جئت بها مع النخلة، قلت: نخلة عرى.

قيل: ويحتمل أنها من قولهم: عروت الرجل أعروه عروا: إذا أتيته طالبا معروفه، وتكون أعريته على هذا - في معني أعطيته، وذلك مثل قولك: أسألته وأطلبته: إذا أعطيته مسألته، وآتيته طلبته.

وقيل: سميت عرية؛ لأنها استثنيت من جملة النخل، وتكون من عرى يعرى إذا خلا عن الشيء.

يقال: أنا عرو من هذا الأمر، أي: خلو منه.

والوجه الذي ينفرد أقاويل أهل اللغة فيه هو أن يكون في معني العطية والعارفة، ويحقق ذلك قول الشاعر:

وليس بسنهاء ولا رجبية ... ولكن عرايا في السنين الجوائح

أراد أنها مخلاة لذوى الفاقة، ولمن يعترى بجسنابهم من المعترين، مسبلة عليهم؛ لأنه قول سلك به مسلك المباهاة، وأخرج مخرج المدح، ولو كانت العرية المستثناة عن جملة المبيع لم يكن لذكرها على وجه المدح معنى.

قلت: وحديث العرية ورد ورودا متواترا لم يختلف [٨٨] في صحته أحد من أهل العلم، وإنما اختلفوا في تأويله.

فقال قو: هو أن تكون للرجل نخيلات في حائط غيره، فيأتي صاحب الحائط بأهله، فيسكن بين النخيل، فيدخل عليهم صاحب النخيلات؛ فيجدون في أنفسهم ويستضرون بدخوله عليهم؛ فرخص لصاحب الحائط أن يؤتيه مقدار خرص نخيلاته تمرا؛ عوضا عما له في ذلك.

قال آخرون: شكا أهل الحاجة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الرطب يدرك، ولا يتهيأ لهم بيه؛ لكون أيديهم صفرا من النقد، وعندهم تمر فضل عن أقواتهم، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصهم تمرا، وقد نقلوا فيه أثرا عن زيد بن ثابت منقطع الإسناد.

وقال آخرون: هو أن يتطوع صاحب الحائط ببعض نخيله ويعريها المحاوج ثم يبدو له؛ لدخولهم عليه أو لغير ذلك أن يعطيه بدلها تمرا، أو يبدو لهم أن يأخذوا مكانها تمرا؛ فجعلهم في سعة من ذلك، وهذا التأويل على قياس الوضع اللغوي، ومصداق ما ذكر فيها من الأشعار أقوم التأويلات؛ غير أن في بعض أحاديث العرية ما يصلح للتمسك في المنع عنه؛ وبه يستدل من يرى خلافه.

ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (رخص في العرايا):

والرخصة إنما تلغى المحظور؛ وعلى هذا فلا معني للرخصة فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>