للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التلقي: الاستقبال، نهى أن يستقبل الرجل الركبان ليبتاع منه قبل أن يعرفوا الأسعار؛ لما يتوقع في ذلك من الخداع والضرر، واحتمال أن يخبر المتلقي صاحب السلعة بغير ما عليه سعر السوق، ثم لما فيه من الضرر بالمسلمين في أسعارهم، فإن بمثل هذا الصنيع ترتفع الأسعار في البلدان، وفي معناه قوله: (لا تلقوا الجلب) والجلب والأجلاب: الذين يجلبون الإبل والغنم للبيع، ويتوسع فيه؛ فيطلق أيضا على الذين يجلبون الأرزاق إلى البلدان.

ومنه: الحديث: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون)، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه: (كنا نتلقى الركبان).

والتوفيق بين الحديثين أن يراد بالتلقي المكروه ما يضر بأهل البلدان في أسعارهم، أو ما لا يؤمن على المتلقى فيه الغش والخيانة، فإذا خلا عن هذه الموانع، فلا كراهة فيه على ما في حديث ابن عمر.

وفيه: (ولا بيع بعضكم على بيع بعض)، وفي بعض طرق هذا الحديث من الصحاح: (ولا يبع الرجل على بيع أخيه)، وهما سيان في المعني؛ لأن المراد من أخيه: الأخوة في الدين كما أن المراد من قوله: (بعضكم) المواصلة بملة الإسلام.

وأما البيع فإنه يستعمل على وجهين: يقال: بعت الشيء، أي: شريته، وبعته أيضا إذا اشتريته، وهو من الأضداد، قال الفرزدق:

إن الشباب لرابح من باعه ... والشيب فيه لبائعيه تجار

قال الخطابي في تفسير هذا الحديث: إنما يكون ذلك بعد التعاقد، وقبل التفرق عن المجلس؛ فيجئ آخر، فيعرض على المبتاع متاعا أجود من المتاع الذي ابتاعه، وأرخص، فتدعوه الرغبة فيه إلى نسخ البيع المتقدم.

وقال آخرون: المعني لا يشتر على شراء أخيه، ـ فإنما وقع النهى على المشترى لا على البائع.

والوجه الأول: وإن كان محتملا - فإن الثاني أجود منه وأقوى؛ ويدل على صحة ذلك المناسبة الواقعة بين اللفظين، أعني قوله: (لا يبع أحدكم على بيع أخيه)، وقوله: (ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه)؛ وهذا لفظ حديث أبي هريرة - رضى الله عنه - في إحدى الروايات عنه، وقد أورده المؤلف فيما بعد من هذا الباب، ثم إن العلماء مختلفون في كل واحد من الصيغتين البيع والشرى، هل هو على الحقيقة أم على المجاز؟

فأما من يرى خيار المجلس [٩١]: فإنه يقول: إنه على الحقيقة، ويراه آخرون على المجاز.

<<  <  ج: ص:  >  >>