للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخلق فالله يغفر له، أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - المكلفين أنهم مسئولون عن ذلك يوم القيامة ومعذبون به عذابًا شديدًا وأن ذلك في التحريم كقتل سائر النفوس المحرمة وقوله (خالدًا مخلداً فيها) محمول على من يفعل ذلك مستبيحًا له، فيصير باستباحته مستوجبًا للخلود، هذا وجه الحديث كيلا يخالف الأحاديث الصحاح التي وردت في خروج من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله من النار وإن عمل الكبائر، لا سيَّما [٨١/ أ] وقد ثبت التواتر في جنسها وأيّد معناها بالآية من كتاب الله تعالى قال الله سبحانه: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.

فإن قيل: كيف يستقيم لك هذا التأويل وقد خصصت حكم الخلود بالمستبيح ثم تقول: إن غير المستبيح أيضا مسئول عنه معذب به، والحديث لم يفرق بين المستبيح وغيره، وإنما سلك بالكل مسلكا [واحدا؟] قلنا: قد عرفنا حكم الخلود من قول الشارع مبينا في غير هذا الحديث فرددنا المجمل منه إلى المفصل في غيره فإن قيل [فلم يأت به في] هذا الحديث على الوجه الذي تدعيه في غيره؟ قلنا: أبهمه إبهامًا إيفاء لوظيفة الخوف على أصحاب النفوس المتمردة فإنه على تلك الصيغة أبلغ في الوعيد وأمثل في الزجر، فيرتدع به الغاوى، ولا يشتبه على الخبير، لما انتهى إليه من الواضح الجلى. فإن قيل: فما قولكم في الحديث الذي يتلوه رواية جندب بن عبد الله البجلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح ... الحديث) قلنا: يحتمل أنه مستبيحًا فلا تضادّ فيه إذًا، ويحتمل أنه لم يكن مستبيحًا فحرم عليه الجنة في أول الأمر حتى يذيقه وبال أمره بإدخاله النار ثم ينجيه منها بفضله ورحمته.

[٢٤٩٧] ومنه حديث جابر - رضي الله عنه - (أن الطفيل بن عمرو الدَّوْسي لما هاجر .. الحديث) قلت: هذا الحديث وإن كان فيه ذكر رؤيا أريها الصحابي للاعتبار بما يؤول إليه تعبيره فإِنَّ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم وليديه فاغفر) من جملة ما ذكرنا من الأحاديث الدالة على أن الخلود غير واقع في حق من أتى بالشهادتين وإن قتل نفسه؛ لأن نبي الله صلى الله عليه دعا للجاني على نفسه بالمغفرة، ولا يجوز في حقه أن يستغفر لمن وجب عليه الخلود، بعد أن نهى عنه مع ما يدل على كونه صحيح الحال في قصة الرؤيا من ذكر الهيئة الحسنة. وفي الحديث من الألفاظ المفتقرة إلى التفسير: (المشاقص) جمع مشقص، وهو من النصال: ما طال وعرُض (والبراجم) وهي مفاصل الأصابع بين الرواجب والأشاجع فالتي تلي الأنامل هي الرواجب ثم البراجم ثم الأشاجع وهي التي تلي الكف وقوله: (فخشيت يداه) أي سألت دما. والأصل فيه: الخشب،، وهو ما خرج من تحت يد الحالب عند كل غمزة.

<<  <  ج: ص:  >  >>