للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ترجيح دليلِ ثبوتِ التلازم على دليلِ [ق ١٦] عدَمِه، فقال السائل: ما ذكرتَه من الدليل وإن دلَّ على وجوب الزكاة على الفقير إن وجبتْ على المدين، فإن معي ما يدل على أنها لا تجب على الفقير وإن وجبت على المدين، وهي الأدلة النافية لوجوبها على الفقير، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمسة أوسُقٍ صدقةٌ" (١)، و"أُمِرتُ أن آخذَ الصدقة من أغنيائكم فأردَّها في فقرائكم" (٢)، و"ليسَ على المسلم في عبدِه ولا فرسِه صدقةٌ" (٣)، و"لا صدقة إلا عن ظهر غِنًى" (٤). وإذا كانت هذه الأدلة تنفي الوجوب على الفقير فقد عارضت ما يدلُّ على وجوبها على الفقير، بتقدير وجوبها على الغني المدين.

وتسميةُ هذا الدليل نافيًا أحسنُ من تسميته مانعًا، لأن المنعَ يقتضي قيامَ المقتضي، ولا مقتضِيَ لوجوبها على الفقير. إلّا أن بعض الناس يقول: المانعُ قد يكون مانعًا للسبب، وقد يكون مانعًا للحكم، فربَّما يجعلون الفقر مانعًا للسبب، وهو المال. وليس بجيِّدٍ أيضًا من جهة أن عدَم المال لا يحتاجُ إلى مانعٍ من وجودِه، بل يكفي في عدمه عدمُ سببِ وجوده، فعدمُ المال يُضافُ إلى عدمِ سببِ وجودِه، لا إلى وجودِ مانعِ وجودِه. وإن فُرِضَ صورةٌ قد انعقدَ فيها سببُ الملكِ، فمَنَعَ من الملكِ الذي هو سببُ الزكاة مانعٌ، فهناك يَصحُّ أن يقال: قامَ المانعُ لسببِ الزكاة، لكن امتناع وجوب الزكاة على الفقير أعمُّ من هذه الصورة.


(١) أخرجه البخاري (١٤٠٥، ١٤٤٧، ١٤٥٩) ومسلم (٩٧٩) عن أبي سعيد الخدري.
(٢) سبق تخريجه (ص ٢٧).
(٣) أخرجه البخاري (١٤٦٣، ١٤٦٤) ومسلم (٩٨٢) عن أبي هريرة.
(٤) سيأتي تخريجه (ص ٤٠٧).