للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيرَ واقعٍ، وسواءٌ كان جائزًا أو ممتنعًا فليس بصحيح، لأنه ما من دليل على الحكم إلّا ويمكن أن يُفرَضَ معه وجودُ ما ينفيه، ثم يقال: هذا الدليل دالٌّ على كلّ تقدير، وهذا من جملة التقديرات، وذلك التقدير يمنع وجودَ الحكم، فيلزم الجمعُ بين النقيضين وتعارضُ الأدلة اليقينية، وذلك محالٌ. وإنما لزِم هذا حين فرضنا ثبوتَ الحكم على كل تقديرٍ عُلِمَ أنه واقعٌ أو لم يُعلم أنه واقع، فيكون هذا الفرض مُفضِيًا إلى محالٍ، فيكون محالًا.

وأمثلةُ هذا الكلام المزيّف الذي لا يقوله عاقل كثيرة حتى يتمكن مِن تقوِّلِه مَن استباحَ القضايا المتناقضة من التراكيب الفاسدةِ، مثل أن يقول: الصلاة والزكاة والصيام والحج واجبةٌ بالأدلة الموجبة، وهي مُوجبةٌ لها على كلّ تقدير، ومن التقديرات: عدمُ بعثة رسولٍ وعدمُ نزول (١) القرآن، فيجب ثبوتُها على تقدير عدم الرسول.

أو يقول: لا يجب شيءٌ من العبادات، للأدلة الدالة على براءةِ الذمَّة وخُلوّها من الوجوب، وهذا الدليل ثابت على كل تقدير، فيجب العمل به.

أو يقول: لا يجب القصاصُ على الجاني ولا الحدُّ على المجرم، لأنّ القَودَ والحدَّ ضررٌ، فيكون منتفيًا بالأدلة النافية للضرر، فإنها ثابتة على كل تقدير.

وهذا أهونُ مما قبله، لأن تقدير القتل العمد والإجرام ليس مقتضيًا بنفسه لثبوتِ العقوبة، بخلاف اقتضاءِ الوجوبِ وجودَ الرسول، وكون النافي للوجوب مشروطًا بعدم الموجب.


(١) في الأصل: "ترك".