للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقدرة، وهي المعبَّر عنها بكون الذات عالمةً وقادرةً، وفرقٌ بين العلم والقدرة وبين كونِ الذات عالمةً وقادرة، لأن كونها عالمةً قادرةً حكمٌ ومعلولٌ وحالٌ اقتضاها العلم والقدرة، ولفظ المصدر إنما دلَّ على نفس الصفة لا على هذه الحال. ألا ترى أنَّا ندلُّ عليها باسم منسوب كأنه صفة لموصوف محذوف، تقديرهُ: الحال العالمية أو النسبة العالمية أو الإضافة العالمية. وفيها فائدة أخرى، وهو أن العلم والقدرة إنما يدل على الصفة والحدث من حيث هو هو لا إشعارَ له بالعلم المعلوم (١)، فإذا قيل: «العالمية» و «المعلومية» كان تقديرها (٢): الحال الحاصلة لذاتٍ عالمةٍ أو الحال الحاصلة لذاتٍ معلومةٍ، وكان فيها دلالةٌ على ما يُنسَب إليه الصفةُ والحدثُ هل هو الفاعل أو المفعول؟ ومجرَّد المصدر لا يَدُلُّ على ذلك.

قيل: عن هذا أجوبة:

أحدها: لو كان فيه فائدةٌ لم يجز أن تخلو اللغة عن لفظٍ يدلُّ عليه، لأنّ المعنى الذي يكثر دورانُه في القلوب يُحتاج إلى التعبير عنه، فيجب أن تكون له عبارةٌ تدلُّ عليه. ولمّا لم يكن هذا الاستعمال موجودًا في اللغة الحكيمة (٣) عُلِمَ أنّ هذا اللفظ كانَ حقُّه أن يُلحَق بالمهملات، لاسيّما وكلام الله وكلام رسولِه وكلام الأئمة من سلف الأمة لا يجوز أن يَعْرَى عن بيان هذه المعاني. فلو لم يكن بيانُها إلّا بهذه الألفاظ ــ أو لو كان بيانُها بهذه الألفاظ أجودَ ــ لوجبَ أن يكون ذلك في كلامهم، لأنّ إدراكهم للمعاني أتمّ، وتعبيرهم أفصح وأوضح.

الثاني: أن نقول: الخلاف في ثبوت الحال مشهورٌ بين الناس، حتى إنّ


(١) كذا في الأصل، ولعل الصواب «بالعالم والمعلوم».
(٢) في الأصل: «تقدير».
(٣) الأصل: «الحكمية».