للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجواب عن النقض بالفرق، ولا شكَّ أن هذا وإن كان يضمُّ الكلامَ، لكن فيه تطويل عظيم في العبارة، وتضييع لمطلع النظر الذي هو مأخَذ المسألة، وتفريق للذِّهن بالاحتراز عن أمورٍ ليس تحتها فقه، وكثير من [أهل] هذه الطريقة من يقنع من المستدلّ بوصفٍ مطَّرِدٍ لا يَرِدُ عليه نقضٌ وإن لم يُقِم دليلًا على صحته. ولا شكَّ أن من قَنِع بالطَّرْد المحض فإنه لا بد أن يمَكِّن المعترض من الاعتراض بالنقض، ولا بدَّ أن يجعل النقض دليلًا على البطلان، وإلا لوضع (١) كلُّ أحدٍ له مذهبًا من غير دليل. وهذه الطريقة كانت هي الغالب على العراقيين وكثير من الخراسانيين في حدود المائة الرابعة وقبلها وبعدها.

ومن قال بالثاني لم يكلِّف المستدلَّ الاحتراز عن صورة النقض، لكن يكَلِّفه بيان الفرق بين (٢) صورة النقض وبين الفرع وغيره من صور وجود الحكم، ومتى لم يُفَرِّق انقطع، وهؤلاء لا يطالبون المستدلَّ بالطَّرْد، لكن يطالبونه بما يدل على تأثير العِلَّة وصحتها، ويبقى النظرُ في الجوامع والفوارق، وأنها أحقّ بالاعتبار.

وهذه الطريقة التي اصطلح عليها عامَّةُ المتأخرين من الجدليين في عامة الأمصار، ولا شكَّ أنها أقرب إلى طريقة الأوَّلين من السلف، فإنهم لم يكونوا يُحَرِّرُون العبارات الطويلة الجامعة بين الأصل والفرع، وإنما يذكرون الجوامع والفوارق مُنَبِّهين على مآخِذ الأحكام ومشيرين إلى مدارك الشريعة.


(١) الأصل: «ولا لوضع»!
(٢) الأصل: «في» والصواب ما أثبت.