للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، ولا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها.

ولو ثبتَ له حصولُ الإرادة [لحصول] (١) الظن عند جواز الإرادة لاستغنى عنه إثباته بالدوران، ولو أنَّه قال: حصول الإرادة دار مع جواز الإرادة لكان أجود.

وإن قال: إنما أُرِيْد الظن حَصَل مقارنًا لجواز الإرادة في كثيرٍ من الصور، ولا أدَّعِي أنه هو الموجب للظن.

قلنا: هذا القدر غير موجب؛ لأن الجواز هو المقتضي للظنِّ، وأنه هو دليلُه ومقتضيه؛ لأن الاعتقادات الحاصلة في النفس عن أدلةٍ إنما تحصل بعد شعور النفس بتلك الأدلة، والظن الحاصل (٢) بالإرادة حاصل مع أن الشعور بجواز الإرادة وحده غير حاصل.

الثالث: أن يقال: الدوران إنما يفيد العِليَّة إذا لم يزاحم المدارَ مدارٌ آخر، وهنا قد زاحمه مدارات أُخر، فإنَّ ظن الإرادة قد دار مع كونه معنى اللفظ، أي هو الذي ينبغي للمتكلم أن يُعَيِّنه بلفظه، ودار مع كونه حقيقة اللفظ، ودار مع كونه دلَّ الدليلُ على إرادته، ودار مع كونه يجب إرادته، ودار مع كون اللفظ دالًّا عليه، فإنه ما من معنًى من هذه المعاني إلا وُجِدَ الظنُّ معها في صورٍ كثيرة، وانتفى في صور كثيرة، فلماذا يجب أن يقال: المقتضي للظنِّ هو جواز الإرادة دون سائر هذه المعاني، ودون غيرها؟!

بل إذا أنصف العاقلُ وجدَ الظنَّ بالإرادة في كلِّ موضع له سبب


(١) زيادة يستقيم بها السياق. أو تقدّر بكلمة نحوها.
(٢) الأصل: «الحاصلة».