للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن لم يكن كافيًا فلا يحصل بسماع (١) شيءٍ من الألفاظ معرفة مقصود المتكلِّم حتى يقترن به ما يبينه، فلا يحصل المقصود من الخطاب بنفس الخطاب، ولا يحصل الإفهام بمجرَّد سماع الكلام، وذلك يُعَكِّر على مقصود الخطاب بالإبطال.

الثاني: أن المعنى الثابت بطريق الحقيقة أسبق إلى الفهم من غيره، كما يشهد به الواقع، وسلوك الطريق التي هي أقرب إلى المقصود أظهر من حال الحكم (٢).

الثالث: أن عدم إرادة الحقيقة يُفْضي إلى تَرْك المعنى المعهود المصطلح عليه، ويُزيل ظنَّ إرادته، فيكون ... (٣) بما في ذلك من المفسدة.

ثم اعلم أنه إن أجمع الناس على أن الحقيقة غير مرادة، كقوله: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: ٤٩]، وقوله: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (٤) [البقرة: ٢٣٢]، عند مَن يقول: إن حقيقة النكاح: الوطء. وقوله: «رُفِعَ عن أمتي الخطأ والنِّسْيان» (٥)،

فإن حقيقة [رفع] الخطأ والنسيان بمعنى


(١) الأصل: «سماع».
(٢) كذا، ولعلها: «الحكيم».
(٣) كلمة لم تتبين، ولعلها: «منتفيًا».
(٤) في الأصل: «لا جناح عليهن أن ينكحن أزواجهن» وليس هناك آية بهذا السياق، وما أثبته أقرب ما يكون إلى قصد المؤلف، والآيات في معنى ما أراد المؤلف كثيرة.
(٥) هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الفقهاء والأصوليين، ونفى جماعة من الحفاظ وجوده بهذا اللفظ، لكن ذكر الحافظ ابن عبد الهادي، وكذا ابن حجر أنهما وجداه بلفظه في «فوائد أبي القاسم التميمي المعروف بأخي عاصم»، وذكر السبكي وابن حجر أن محمد بن نصر قد ذكره في كتاب «اختلاف الفقهاء» بدون إسناد بهذا اللفظ وقال: «إنه ليس له إسناد يحتج بمثله». انظر: «طبقات الشافعية الكبرى»: (٢/ ٢٥٣)، و «نصب الراية»: (٢/ ٦٤)، و «التلخيص الحبير»: (١/ ٣٠١ - ٣٠٢)، و «المعتبر» رقم (١١٣)، و «موافقة الخبر الخبر»: (١/ ٥١٠) وهذا الحديث جاء معناه عن عددٍ من الصحابة مثل: ابن عباس، وابن عمر، وعقبة بن عامر، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وثوبان، وأبي بكرة بألفاظ مختلفة.

وأحسن هذه الأحاديث حديث ابن عباس بلفظ: «إن الله تجاوز عن أُمتي الخطأ والنسيان ... ». أخرجه ابن حبان «الإحسان»: (١٦/ ٢٠٢)، والدارقطني: (٤/ ١٧٠)، و «البيهقي»: (٧/ ٣٥٦) وغيرهم. وقد صححه ابن حبان، وحسّنه النووي في «الروضة»: (٨/ ١٩٣) وفي أواخر «الأربعين» رقم (٣٩).