للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا: فإنَّ طاعةَ الناهي واجبة كطاعة الآمر، والطاعةُ إنما تكونُ بقصدِ الموافقة، والقصدُ إنما يتوجَّه إلى أفعال العبد، أما ما ليس من فِعْله، ولا من أثر فعله فلا يصح قصدُه وإرادته، والعدم المحض ليس من فعله ولا من أثر فعله، فامتنع أن يكون مقصودًا له.

وفصلُ الخطابِ في هذه المسألة: أنَّ المنهيَّ إذا لم يفعل ما نُهِيَ عنه ولم يقصد الاحتساب والانتفاء (١)، ويستشعر الانتهاءَ عما نُهِيَ عنه لم يستحقّ ثوابًا ولا عقابًا، ولا هو مطيعٌ ولا عاصٍ، بل عدمُ الفعلِ اقتضى عدمَ الذَّمِّ والعقاب، وعدمُ الانكفافِ والاتقاء اقتضى عدم الثواب.

ولو قيل: إنَّه يُثابُ وإن ثوابَه سلامتُه عن العقوبة، فإنِّها إحدى الغَنِيمَتَين، ونجاتُه من العذاب فإنها أحد الفوزَين، لكان معنًى صحيحًا.

وأما إذا قَصَد تركَ الفعل بعد قيام داعِيه وباعثه، وقَصَد أن لا يفعل لو وجد داعيه وباعثه، فهنا يُثاب على ذلك، ويكون مطيعًا، وقد صَدَر عنه أمرٌ وجوديٌّ بلا ريب، فوجودُ الثواب لا يكون إلا عن أمرٍ وجودي، أما عدم العقاب فيكفي فيه الأمر العدميُّ في باب المنهيَّات. وبهذا يظهر أنَّ كلا القولين له وجهٌ صحيح، والخلافُ في الحقيقة آئل إلى اللفظ، لكن القول الأوَّل أجود تحقيقًا، فإنَّ مقصودَ الناهي كما أنه قد يكون عدم [فعل] (٢) القبيح، فقد يكون ابتلاء المكلَّف وامتحانه، كما نهى آدم عن أكل الشجرة، وهذا إنما يصحُّ على أُصولِ أهل السنة، ولهذا كان القولُ الثاني من مذاهب المعتزلة البصريين.


(١) كذا، ولعل الصواب: «الاتقاء».
(٢) زيادة يستقيم بها السياق.