للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله (١): (مما يقتضي الحُرْمة وإلَّا لما [ق ٢٧٣] صحَّ إطلاقُ اسم المعصية على ارتكابِ المنهيِّ عنه، وقد صحَّ بالنقل والاستعمال).

اعلم أن الذي عليه عامةُ الطوائف: أنَّ النهي يقتضي حُرْمة الفعلِ المنهيِّ عنه، حتى إن كثيرًا ممن خالف في الأمر قد وافقَ في النهي، وفيه خلافٌ شاذٌّ. وكل ما دلَّ على أن الأمر يقتضي الوجوب، فهو دليلٌ على أنَّ النهيَ يفيد الحُرْمة؛ لأن النهَي عن (٢) الشيء أمرٌ بضدِّه؛ ولأن النهيَ في الحقيقة نوعٌ من أنواع الأمر؛ لأن الأمرَ طلبُ الفعل، والنهيَّ طلبُ الفعلِ أيضًا؛ لأنَّ الترك والامتناع نوعٌ من الأفعال، وهو أمرٌ وجوديٌّ كما تقدَّم، ولهذا كان قول أكثر الفقهاء: إنه إذا قال: إن عَصَيْتِ أمري فأنتِ طالق، فنهاها وعصته= أنه يحنث.

وأيضًا: فقد دلَّ على النهي دلائل تخصُّه، كقوله سبحانه: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]، فإنه يفيد وجوبَ الانتهاء؛ لأن استحباب الانتهاء معلومٌ بنفس النهي، فلا بدَّ أن يفيد هذا الخطاب فائدةً زائدةً على جميع أنواع الاستحباب، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا نهيتُكُم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتم» متفق عليه (٣)، يدلُّ على ذلك.

وأيضًا: فإن الله سبحانه نهى آدم (٤) وزوجَه حوَّاء عن الأكل من الشجرة، فلما خالفا لحقهما من العقاب ما قد ذكره الله في كتابه.


(١) «الفصول»: (ق/١٠ ب).
(٢) الأصل: «غير»!
(٣) أخرجه البخاري رقم (٧٢٨٨)، ومسلم رقم (١٣٣٧) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بنحوه.
(٤) بعده كلمة: «عن» ولا وجه لها.