للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعند مخالفيه هي كبيرة، وإنما لم تزوِّج نفسَها لوصف الأنوثة، وكان القياسُ عليها عند هؤلاء أجود من القياس على الصغيرة، فإنَّ وصفَ الصِّغر هناك مستقلٌّ (١) بالحكمِ، وضم الأنوثة إليه غير مؤثِّر، فلذلك لم يقبَلْه عامةُ المركِّبِين، وهنا قَبِلَه بعضُهم.

فإذا قال الخصم: العلةُ في الأصل: أنها صغيرة، وأنا أُعَدِّي ذلك إلى غير ذلك من الأحكام، مثل منعها من التصرُّف، والحَجْر عليها في المال.

قال له المستدلُّ: ليست صغيرة بدليل ذَكَرِه، كحديث ابن عمر (٢) مثلًا.

ثم اختلف هؤلاء في جواب المستدلِّ عن الفروع التي عَدَّى (٣) إليها المعترض، فمنهم من قال: يكون منقطعًا بترك التزام تلك الفروع؛ لأنه لو أقام الدليل على فسادها؛ لكان انتقالًا من مسألة إلى مسألة، وعلى هذا فتخِفُّ مؤنة المركَّب، ومنهم من لم يجعله منقطعًا.

وهنا لهم خَبْطٌ عظيم، والإنصافُ أنَّ هذه الطريقة من أصلها فاسدة، كما ذهب إليه مُحَقِّقو الجدليِّين، وعامَّة الفقهاء، فإنَّ كون ابنة خمسَ عشرة صغيرةً أو كبيرة لا إشعار له بفِقْهِ مسألةِ الولاية في النكاح، وإنما حاصِلُه يؤول إلى الاحتجاج بغلط الخصم في مسألةٍ إلى صوابك أنتَ في مسألةٍ أخرى، وقد حَكوا الإجماع على أنه لا يصلح أن يكون مستندًا في الفتوى والحكم.


(١) رسمها في الأصل: "منتقل".
(٢) يعني حديثه لما استصغر يوم أحد، وكان ابن أربع عشرة سنة، أخرجه البخاري رقم (٤٠٩٧)، ولفظه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يُجِزْه، وعَرَضَه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه".
(٣) العبارة في الأصل: "من الفروع التي عدا" ولعل الصواب ما أثبت.