للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المراد منها، وهذا دليل على سعة علمه ودرايته بالحديث.

ومثال ذلك قوله عند الكلام على أحاديث المنيحة: "أما حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما الذي أسَّسنا عليه الكتاب، فقوله: «منيحة»، المنيحة: هي الناقة أو البقرة أو الشاةُ يُعطيها الرجلُ الرجلَ يحتلبُها ويشربُ لبنَها ويُعيدها إليه، والمنيحة في اللغة: العطية، يُقال: مَنَحَهُ كذا إذا أعطاه؛ وأما حديث أبي سعيد فقوله: «ويحك إن الهجرةَ شأنُها شديد» يعني أن الالتزام لأحكامها مُشِقٌّ: من ترك الأهل، والولد، والوطن، والتغرُّب، والفقر، والخوف، لاسيَّما وهو صاحب ماشيةٍ، والافتتان بها أسرع، فخشيَ عليه أن لا يصبرَ على اللأواء، فيرفضَ الهجرةَ ويرتدَّ، فدلَّه على الأسهل ليقوى إيمانُه، وربما آمنَ بإيمانهِ إذا رجعَ إلى أهله غيرُه، والذي دلَّه عليه فيه أجرٌ عظيم: التصدُّقُ، والإمناح، وسقيُ اللبنِ على المورد؛ وقوله: «فاعمل من وراءِ البحار» أي إذا كانَ هذا عملَكَ فدُمْ عليه، ولو أنكَ غائبٌ عني، بعيدٌ مني، ولو خلفَ البحار، لأن اللهَ تعالى «لن يَتِرَكَ» أي يَظْلِمُكَ ويُنْقِصُكَ مما عملتَ له شيئاً، ولكنَّهُ يؤتيكَ أجرَهُ موفوراً والله أعلم؛ وأما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - «اللِّقحةُ»: الناقة التي تُحلب، والجمع لقاح؛ و «الصفيُّ»: الناقة الكثيرةُ اللبن؛ و «النحلة» الكثيرة الحمل، وقوله: «تغدو بإناء وتروح بآخر» يعني أنها تُحلبُ غُدْوَةً وعشيَّة، فنعم المنحةُ ما كان على هذه الصفة

و«نعم» للمدح، يقال: نعمَ الرجلُ زيدٌ؛ وأما حديث كُدير فقوله: «تقولُ العدل» أي الحقَّ والصدق ولا تقلْ غيرَ ذلك، وقوله: ما أستطيعُ أن أقولَ الحقّ كل ساعة؛ وذلك لأن الحقَّ ثقيل، ومنه الأمانة التي عجزت السمواتُ والأرضُ عن حملها وأشفقنَ منها، وسُمِّي الإنسانُ بتحمُّلِها {ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: من الآية ٧٢] لأنه أقدمَ على ما أحجم عن حَمْلهِ السمواتُ والأرض والجبال وقال الله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: من الآية ١٥٢]؛ وقوله «وتعطي الفضل» أي تتفضَّلُ بالإعطاءِ من مالِكَ، ويجوز أن

يكون: تعطي الفضلَ من مالِكَ عن قدرِ كفايتِكَ وكفايةِ من تعول لأنه قد جاء في الحديث أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حضَّ الناسَ على التصدق بفضل الزاد والظهر وأصناف من المال في بعض سفراته،

<<  <   >  >>