للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصلاً، وإنما غايتهم أن يدلوا على قدم نوع الفعل، وأن الفاعل لم يزل فاعلاً، وأن الحوادث لا أول لها، ونحو ذلك مما لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم، وهذا لا يخالف شيئاً من نصوص الأنبياء، بل يوافقها؛ وأما النصوص المتواترة عن الأنبياء بأن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وأن الله خالق كل شيء، فكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن، فلا يمكن أحداً أن يذكر دليلاً عقلياً يناقض هذا ... " (١).

وقال في موضع آخر: "أنهم -أي المتكلمين- لما اعتقدوا أن هذا هو دين الإسلام أخذوا يحتجون عليه بالحجج العقلية المعروفة لهم، وعمدتهم التي هي أعظم الحجج، مبناها على امتناع حوادث لا أول لها، وبها أثبتوا حدوث كل موصوف بصفة، وسموا ذلك إثباتاً لحدوث الأجسام، فلزمهم على ذلك نفي صفات الرب - عز وجل -، وأنه ليس له علم ولا قدرة ولا كلام يقوم به، بل كلامه مخلوق منفصل عنه ... وكان ذلك مما سلط الدهرية القائلين بقدم العالم، لما علموا حقيقة قولهم وأدلتهم وبينوا فساده، ثم لما ظنوا أن هذا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - واعتقدوا أنه باطل، قالوا: إن الرسول لم يبين الحقائق، سواء علمها أو لم يعلمها، وإنما خاطب الجمهور بما يخيل لهم وما ينتفعون به، فصار أولئك المتكلمون النفاة مخطئين في السمعيات والعقليات، وصار

خطؤهم من أكبر أسباب تسلط الفلاسفة، لما ظن أولئك الفلاسفة الدهرية أنه ليس في هذا المطلوب إلا قولان: قول أولئك المتكلمين وقولهم؛ وقد رأوا أن قول أولئك باطل، فجعلوا ذلك حجة في تصحيح قولهم، مع أنه ليس للفلاسفة الدهرية على قولهم بقدم الأفلاك حجة عقلية أصلاً، وكان من أعظم أسباب هذا أنهم لم يحققوا معرفة ما بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - " (٢).

وموقف شيخ الإسلام ابن تيمية إجمالاً هو: جواز تسلسل المخلوقات في الماضي والمستقبل، وأنه تعالى لم يزل مريداً، خالقاً، فاعلاً، فما من زمن يفترضه العقل حدًّا لابتداء الخلق إلا أمكنه أن يتصور قبله زماناً وقع فيه الخلق، فيكون هذا الزمان الآخر سابقاً له،


(١) درء تعارض العقل والنقل (٨/ ٢٧٩ - ٢٨٠).
(٢) مجموع الفتاوى (١٨/ ٢٢٤ - ٢٢٥).

<<  <   >  >>