للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الفرق بين هذا القول وقول الفلاسفة فمن وجوه:

منها: أن أصحاب هذا القول يقررون أن الله متصف بصفات الكمال، كالعلم والإرادة والقدرة والخلق والكلام وغيرها، أما الفلاسفة فينكرون هذه الصفات جميعها، وهذا غاية التعطيل والنقص، ولذلك آلت أقوالهم في التسلسل إلى القول بقدم العالم، وإذا أقروا بوجود الله سموه علة فاضت منها نفوس وعقول وأفلاك بلا إرادة منه، إلى غير ذلك من أقوالهم الفاسدة.

ومنها: أن الفلاسفة لم يفرقوا بين الآحاد والنوع في المفعولات، وقالوا بقدم الآحاد، وهذا هو التسلسل الباطل الممتنع.

ومنها: أنه يلزم على قول الفلاسفة أن لا يحدث في العالم شيء، وهذا باطل مخالف للمحسوس، وقولهم: إن الفلك أزلي مقارن لفاعله بالزمان، وهذا باطل لأن الخالق لابد أن يتقدم على مخلوقة (١).

القول الثاني: منع تسلسل الحوادث في الماضي، وأنه لا يلزم من هذا القول أنه كان معطلاً عن الصنع، فليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري، وأن القول بأن جنس الحوادث لا أول لها يلزم منه القول بأن أعيان الحوادث لا أول

لها، فإن الجملة ليست شيئاً أكثر من الأفراد مجتمعة (٢)، وأن الكلام في أن جنس الحوادث لا أول لها دون الأعيان شبيه بالفلسفة وعلم الكلام، وممن ذهب إلى هذا القول -منع تسلسل الحوادث في الماضي- الشيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على حديث «إن أول شيء خلق الله تعالى القلم» فقال: "وفيه ردٌّ أيضاً على من يقول بحوادث لا أول لها، وأنه ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بمخلوق قبله، وهكذا إلى ما لا بداية له، بحيث لا يمكن أن يقال: هذا أول مخلوق، فالحديث يبطل هذا القول، ويعين أن القلم هو أول مخلوق، فليس قبله قطعاً أي


(١) انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة (٣/ ١٠٠٣ - ١٠٠٤)
(٢) انظر: ابن تيمية السلفي ص ١٢٢، ١٢٧ - ١٢٨، لمحمد خليل هراس، الطبعة الأولى ١٤٠٤، دار الكتب العلمية، بيروت.

<<  <   >  >>