للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فذروها ذميمة»، فالجواب: أنه قال لهم: «فذروها ذميمة» لما كان استقر في أنفسهم في زمان الجاهلية من شؤم الدار، فأمرهم بالنقلة عنها ليزول ما توهموه في قلوبهم من أن الشؤم في المسكن وما لحقهم من الاستيحاش فيها، والتثاقل بها، يستعجلوا الراحة ويزول عنهم توقع البلاء الذي قد استشعروه من نزول الحوائج، وإن لم يكن لذلك في الحقيقة أصل، ولئلا يعتقدوا التشاؤم بالدار، ويفهم من قوله: «فذروها ذميمة» وعدم التصريح لهم والتعريف بذكر الشؤم أن ذلك قد كان قدَّره لهم بقوله: «لا عدوى ولا طيرة»، وكان سؤال السائل في ذلك على سبيل الاستفهام لما أشكل عليه وقوع النقص بسكن الدار الثانية دون الأولى ... وقال لصاحب الدار: «فذروها ذميمة» خوفاً عليه أن يقوى وهمه باستمرار النقص عليه بالمقام بها، فيؤدي ذلك إلى سوء اعتقاده فيما أخبره به أولاً أنه لا عدوى ولاطيرة" (١).

وما قرره جمال الدين السرمري رحمه الله من تحريم التطير هو منهج أهل السنة والجماعة في هذا الباب.

قال ابن عبدالبر: "من تطير فقد أثم، وإثمه على نفسه في تطيره لترك التوكل وصريح الإيمان، لأنه يكون ما تطير به على نفسه في الحقيقة، لأنه لا طيرة حقيقة ولا شيء إلا ما شاء

الله في سابق علمه، والذي أقول به في هذا الباب تسليم الأمر لله - عز وجل - وترك القطع على الله بالشؤم في شيء ... قال الله تبارك اسمه: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: ٥١] وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: ٢٢] فما قد خط في اللوح المحفوظ لم يكن منه بد، وليست البقاع ولا الأنفس بصانعة شيئاً من ذلك ... " (٢).

وقال ابن القيم رحمه الله: "فالطيرة باب من الشرك، وإلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته


(١) كتاب فيه ذكر الوباء والطاعون، ص ٥٠ - ٦٦.
(٢) التمهيد (٩/ ٢٨٥).

<<  <   >  >>