للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك قوله في منظومته في الاعتقاد:

"ويدخل ناس بالمعاصي جهنمَّا ... فيأخذهم منها على قدر الوزر

ويشفع فيهم سيد الخلق أحمد ... عليه صلاة الله ما غرد القمري

ويخرج من في قلبه وزن ذرة ... بلا شك منها من مقارفة البر" (١).

وقال في موضع آخر في ذكر ما خص الله به نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في الآخرة: "ومنها شفاعاته في الآخرة فإن له - صلى الله عليه وسلم - عدّة شفاعات، الأولى: الشفاعة في عموم الخلق ليحاسَبُوا ويُراحُوا من الموقف كما سبق، وشفاعَةٌ في أهل الكبائر من أمّته، وشفاعة لمن في قلبه مثقال ذرّة من إيمان؛

إلى ما دون ذلك من الشفاعات الخاصّة والمشتركة هو وغيره فيها" (٢).

وقال في موضع آخر: "فجملة الشفاعة خمسة مقامات، المقام الأول: في أهل الموقف لفصل القضاء وهي الشفاعة العظمى، وهي من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، والمقام الثاني: في من يدخل الجنة بغير حساب وهي من خصائصه أيضاً - صلى الله عليه وسلم -، والمقام الثالث: فيمن يخرج من النّار وابتداؤها له - صلى الله عليه وسلم - فإنه أول شافع وأول مشفع كما سَبَق، المقام الرابع: فيمن يدخل الجنة واختصاصه منها أنه لا يدخل الجنة أحد بالشفاعة أكثر ممن يدخلها بشفاعته، المقام الخامس: شفاعته في قوم لرفع درجاتهم من الجنة" (٣).

وهذه المقامات السابقة التي ذكرها جمال الدين السرمري سوى المقام الثالث ليست هي التي جرى فيها الخلاف بين الأمة، وإنما أكثر ما وقع الخلاف والإشكال والتنازع فيه هو في الشفاعة فيمن يخرج من النار، وهذا هو المحل الذي ذكر العلماء لأجله موضوع الشفاعة في كتب العقيدة وكرروا ذلك لأهميته بالنسبة للرد على أهل البدع، ولا يزال أهل البدع إِلى اليوم ينكرون هذا النوع، وهو شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكبائر من أمته ممن دخل النار أن يخرجوا منها،

فالمعتزلة والخوارج ينكرون الشفاعة لأهل الكبائر وأن الله سبحانه وتعالى لا يأذن لأحد أن


(١) نهج الرشد في نظم الاعتقاد، ص ٣٨.
(٢) خصائص سيد العالمين [ق ٦٢/و].
(٣) خصائص سيد العالمين [ق ٨٥/و].

<<  <   >  >>