للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد وقع النزاع بين أهل السنة وأهل البدع في هذه المسألة امتداداً للنزاع في أفعال المخلوقين، واختلفوا بالجواب عن مسائلها، وهي: إذا كان الله قد قدر لعبدٍ من عباده أجلاً ما فقتل قبل غاية أجله، فهل كانت حياته تمتد به حتى أجلها لو لم يقتل؟ بمعنى هل القاتل خرم على المقتول حياته ولولا القتل لعاش أجله؟ وهل صحيح لو صبر القاتل على المقتول لمات لوحده؟ .

فقال بعض المعتزلة: إنه كان يعيش، وأن المقتول مقطوع عليه أجله، وقالوا: لو كان المقتول

قُتل بأجله فأين الظلم ممن قد استوفى كل أجله وفنيت حياته، وقال بعض نفاة الأسباب من الجبرية: إنه يموت وجزموا في ذلك (١)، وكلاهما خطأ.

وأجاب أهل السنة: بأنه لا فرق بين أجل من مات حتف أنفه وبين من مات قتلاً، فأجلهما في علم الله واحد لا يتقدم ولا يتأخر، قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: ٦١]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران: من الآية ١٤٥]، وأن القتل هو سبب من أسباب كثيرة وذريعة من ذرائع الموت لا يقع بها الموت إلا بإذن الله، ولهذا ورد في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران: من الآية ١٤٥]، قال الشوكاني: "هذا كلام مستأنف يتضمن الحث على الجهاد والإعلام بأن الموت لا بد منه ومعنى {بِإِذْنِ اللَّهِ} بقضاء الله وقدره، وقيل: إن هذه الجملة متضمنة للإنكار على من فشل بسبب ذلك الإرجاف بقتله - صلى الله عليه وسلم - فبين لهم أن الموت بالقتل أو بغيره منوط بإذن الله" (٢).

وأما القاتل إن كان قَتل بغير حق فإنه ظالم لتعديه على الحكم الشرعي.

وأما قول نفاة الأسباب من الجبرية: "لو صبر القاتل على المقتول لمات وحده" فغير


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٥١٧).
(٢) فتح القدير (١/ ٥٨١).

<<  <   >  >>