للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحيح، والصواب عدم القطع، والحكم بالإمكان والجواز.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "المقتول كغيره من الموتى لا يموت أحد قبل أجله ولا يتأخر أحد عن أجله ... والله يعلم ما كان قبل أن يكون، وقد كتب ذلك، فهو يعلم أن هذا يموت بالبطن، أو ذات الجنب أو الهدم أو الغرق أو غير ذلك من الأسباب، وهذا يموت مقتولاً: إما بالسم وإما بالسيف وإما بالحجر وإما بغير ذلك من أسباب القتل، وعلم الله بذلك وكتابته له بل مشيئته لكل شيء وخلقه لكل شيء لا يمنع المدح والذم والثواب والعقاب، بل القاتل: إن

قتل قتيلاً أمر الله به ورسوله كالمجاهد في سبيل الله أثابه الله على ذلك، وإن قتل قتيلاً حرمه الله ورسوله كقتل القطاع والمعتدين عاقبه الله على ذلك ... ولو لم يقتل المقتول فقد قال بعض القدرية إنه كان يعيش، وقال بعض نفاة الأسباب: إنه يموت، وكلاهما خطأ؛ فإن الله علم أنه يموت بالقتل، فإذا قدر خلاف معلومه كان تقديراً لما لا يكون لو كان كيف يكون، وهذا قد يعلمه بعض الناس وقد لا يعلمه، فلو فرضنا أن الله علم أنه لا يُقتل، أمكن أن يكون قدَّر موته في هذا الوقت، وأمكن أن يكون قدَّر حياته إلى وقت آخر، فالجزم بأحد هذين التقدرين على التقدير الذي لا يكون جهل، وهذا كمن قال: لو لم يأكل هذا ما قدر له من الرزق كان يموت أو يرزق شيئاً آخر" (١).

وقد قرر الإمام جمال الدين السرمري -رحمه الله- مذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة، فقال: "وكل من مات بمرض أو غرق أو جرف أو هدم أو قتل أو في وباء أو بطاعون أو غير ذلك من أسباب الهلاك، فإنما يموت بأجله، لم يكن ليتأخر عن أجله ولا ليتقدم قبل أجله، والدليل عليه الكتاب والسنة.

فالكتاب قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: من الآية ٣٤] وذمَّ سبحانه بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ٥١٦ - ٥١٨).

<<  <   >  >>