للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - أنه يلزم على الاحتجاج بالقدر لازم باطل ألا وهو تعطيل الشرائع، وحين تعطل الشرائع يلزم عليها أن يكون إبليس، وفرعون، وقوم نوح، وعاد وكل من عذبه الله بسبب مخالفته أمره معذوراً، ويلزم أيضاً ألا يفرق بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الله وأولياء الشيطان، وهذه كلها لوازم معلوم بطلانها بالضرورة.

ولو كان القدر حجة للعباد لم يعذب أحد من الخلق لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولم تقطع يد سارق، ولا أقيم حد على زان، ولا جوهد في سبيل الله.

٣ - أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وهو متمكن من الإيمان قادر عليه، وكما هو معلوم فإن القدرة التي هي شرط في الأمر تكون موجودة قبل الفعل لكل مكلف، ومن ثم فالإنسان قادر متمكن، وقد خلق الله فيه القدرة على الإيمان، وحينئذ فحين لا يؤمن يكون هو الذي لا يريد الإيمان، ومادام الأمر كذلك فليس لأحد أن يقول: لماذا لم يجعلني الله مريداً للإيمان، لأنه لو أراد الإيمان لقدر عليه، ومادام الإنسان مريداً قادراً فاحتجاجه بالقدر باطل.

وينبغي أن يعلم أن الاحتجاج بالقدر إنما يَرِد على من لا يقر للإنسان بإرادة ولا قدرة كالجهمية والأشاعرة، أما على مذهب أهل السنة الحقيقي فلا يَرِد، لأنهم يقولون إن الإنسان مريد وفاعل حقيقة، وله قدرة يقع بها الفعل.

٤ - وأقرب مثال على بطلان الاحتجاج بالقدر أن يقال: إذا كان معلوماً أن الله قد علم وكتب أن فلاناً يتزوج امرأة ويطؤها ويولد له، وأن فلاناً يبذر البذر فينبت الزرع ... إلخ، ولا يمكن لأحد أن يحتج بالقدر هنا فيقول: أنا لا أتزوج أو أطأ امرأة، فإن كان قدر الله أن يولد لي ولد فسيولد، أو يقول: أن لا أبذر البذر، فإن كان قدر الله أن تنبت أرضي زرعاً فستنبت، لأن من قال هذا عد من أجهل الجاهلين؛ إذا وضح هذا المثال فنقول: إن الله تعالى علم وكتب أن فلاناً يؤمن ويعمل صالحاً فيدخل الجنة، وفلاناً يعصي ويفسق فيدخل النار، وحينئذ فمن قال: إن كنت من أهل الجنة فأنا سأدخلها بلا عمل صالح، كان قوله قولاً باطلاً متناقضاً، لأنه علم أنه يدخل الجنة بعمله الصالح، فلو دخلها بلا عمل كان هذا مناقضاً لما علمه الله وقدره، وهذا

<<  <   >  >>