للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترك إنكار السلف "ممنوعة" لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدّول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل وأحدثوا من البدع ما لا يأتى عليه الحصر ولا ينكره أحد وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة وصرخوا بين ذلك عليهم "ودعوى" أنه بدعة مستحسنة "باطلة" وقد عرّفناك وجه بطلانها حديث من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ في باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب "ودعوى" أنه مرغب إلى المسجد "فاسدة" لأن كونه داعيا إلى المسجد ومرغبا إليه لا يكون إلا غرضه قصده النظر إلى تلك النقوش والزخرفة. فأما من كان غرضه قصد المساجد لعبادة الله عزّ وجلّ التي لا تكون عبادة على الحقيقة إلا مع خشوع وإلا كانت كجسم بلا روح فليست إلا شاغلة عن ذلك كما فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الإنبجانية التي بعث بها إلى أبي جهم. وكما سيأتى في باب تنزيه قبلة المصلى عما يلهى. وتقويم البدع المعوجة التي يحدثها الملوك توقع أهل العلم في المسالك الضيقة فيتكلفون لذلك من الحجج الواهية ما لا ينفق إلا على بهيمة اهـ ببعض تصرّف (قال) الحافظ في الفتح رخص في ذلك بعضهم وهو قول أبي حنيفة إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال فها هنا أمور (أولها) أن تزويق المساجد وتحسينها إذا كان يلهى المصلين ويشغل قلوبهم فهو مجمع على كراهته (والأمر) الثاني إذا كان هذا مباهاة ورياء وسمعة فهو أيضا مكروه بل بناء المساجد بهذه النية الفاسدة يكون مكروها أيضا فضلا عن التزيين والتحسين (والأمر) الثالث أن يحكم بناؤها ويبنى بالجصّ وغيرها مما يستحكم به الصنعة فهذا غير مكروه عندنا. والدليل عليه أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم عن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة مثله. وأيضا يؤيده ما فعل عثمان رضي الله تعالى عنه في خلافته كما في الحديث الذى بعد هذا فإنه فعل ما فعل مستدلا بهذا الحديث وكل ما فعل كان من باب الإحكام لا من باب التزيين المحض. وأما الحجاره المنقوشة فلم ينقشها ولم يأمر بنقشها بل حصل له كذلك منقوشة من بعض ولاياته فركبها في المسجد وقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين" والذين أنكروا عليه من الصحابة لم يكن عندهم دليل يوجب المنع إلا الحثّ على اتباع السلف في ترك الرفاهية وهذا كما ترى لا يقتضى التحريم ولا الكراهة. وأما حديث أبي داود هذا فهو أيضا لا يدلّ على المنع ودلالته على المنع ممنوعة فإن فيه ما أمرت بتشييد المساجد. فنفي كون التشييد مأمورا به لا يقتضى الكراهة فإن نفى الوجوب يصدق بجواز الفعل أيضا فلا يستوجب الكراهة. وأما قول ابن عباس لتزخرفنها فلا دليل فيه أيضا لأنه موقوف على ابن عباس ولو سلم رفعه حكما

<<  <  ج: ص:  >  >>