للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا استطير أو اغتيل فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا فإذا هو جاء من قبل حراء فقلنا يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم فقال أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله تعالى عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم أخرجه مسلم والمصنف والترمذى، ورواية ابن مسعود مثبتة قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الجن فهى مقدّمة على رواية ابن عباس السابقة النافية لها لأن المثبت مقدّم على النافى

(قوله انه أمتك إلخ) بفتح الهاء أمر من النهى يقال نهيته عن الشئ أنهاه نهيا فانتهى ونهوته نهوا لغة ونهى الله تعالى أى حرّم، أى امنع أتباعك من الإنس من الاستنجاء بعظم أو روث أو لحم. والأمة جمعها أمم كغرفة وغرف، والحممة بضم الحاء المهملة وميمين مفتوحتين على وزن رطبة ما أحرق من خشب ونحوه والجمع حمم كرطب قال الخطابى الحمم والفحم ما أحرق من الخشب والعظام ونحوهما والاستنجاء به منهىّ عنه لأنه رزق الجن فلا يجوز إفساده عليهم اهـ

(قوله جعل لنا فيها) أى في العظم وما بعده. وظاهره أنهم يرزقون من هذه الأشياء فلذلك منع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الاستنجاء بها ولا ينحصر الرزق في الأكل فلعلهم ينتفعون بالحممة ونحوها بوجه آخر

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يسوغ للشخص أن يسعى إلى تحصيل ما ينفعه ودفع ما يضره، وعلى أنه يجوز لمن هضم حقه أن يسعى لدى الولاة للحصول على حقه، وعلى أنه يطلب من الرئيس مساعدة المظلوم حتى يحصل على حقه. وعلى أن للجن حقوقا يقضى بها كالإنس، وعلى أنه يطلب البعد عما يؤذيهم كغيرهم، ودلت أحاديث الباب على منع الاستنجاء بالنجاسات والعظم ومثل العظم ما في معناه من المطعومات ومثل الفحم غيره مما يلوّث ولا ينقى (واختلف) العلماء في ذلك فقال الثورى والشافعى وأحمد وإسحاق والظاهرية لا يصح الاستنجاء بها، واستدلوا بظاهر أحاديث الباب وحديث سلمان المتقدم في باب كراهية استقبال القبلة عند الحاجة، وبما رواه البخارى عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال اتبعت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخرج لحاجته فكان لا يلتفت فدنوت منه فقال له ابغنى أحجارا أستنفض بها ولا تأتنى بعظم ولا روث "الحديث" وأستنفض بالنون والفاء المكسورة يعنى أنظف بها نفسى من الحدث، وفى رواية رزين عن أبى هريرة قلت ما بال العظم والروثة قال هما من طعام الجن وإنه أتانى وفد جن نصيبين ونعم الجن فسألونى عن الزاد فدعوت الله تعالى لهم أن لا يمرّوا بعظم ولا بروث إلا وجدوا عليها طعاما، وبما رواه البخارى أيضا عن ابن مسعود

<<  <  ج: ص:  >  >>