للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها بخلاف من لم يفتحها أصلا بمفتاحها فإن عقابه عليها عقوبة تاركها وهذا أوضح (فإن قيل) فهل في الحديث حجة لمن قال إن عادم الطهورين لا يصلى حتى يقدر على أحدهما لأن صلاته غير مفتتحة بمفتاحها فلا تقبل منه (قيل) قد استدل به من يرى ذلك ولا حجة فيه. ولا بدّ من تمهيد قاعدة يتبين بها مقصود الحديث. وهي أن ما أوجبه الله ورسوله أو جعله شرطا للعبادة أو ركنا فيها أو أوقف صحتها عليه هو مقيد بحال القدرة لأنها الحال التي يؤمر فيها به وأما في حال العجز فهو غير مقدور ولا مأمور به فلا تتوقف صحة العبادة عليه وهذا كوجوب القيام والقراءة والركوع والسجود عند القدرة وسقوط ذلك بالعجز وقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، ولو تعذر عليها الخمار صلت بدونه وصحت صلاتها وكذلك قوله لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، فإنه لو تعذر عليه الوضوء صلى بدونه وكانت صلاته مقبولة فيكون الطهور مفتاح الصلاة أى عند الإمكان لكن هنا نظر آخر وهو أنه إذا لم يمكن اعتبار الطهور عند تعذره فإنه يسقط وجوبه فمن أين لكم أن الصلاة تشرع بدونه في هذه الحال وهذا وجه المسألة، وهلا قلتم إن الصلاة بدونه كالصلاة مع الحيض غير مشروعة حينما كان الطهور غير مقدور للمرأة فلما صار مقدورا لها شرعت لها الصلاة وترتبت في ذمتها فما الفرق بين العاجز عن الطهور شرعا والعاجز عنه حسا مع أن كلا منهما غير متمكن من الطهور. والجواب أن زمن الحيض جعله الشارع منافيا لشرعية العبادات من الصلاة والصوم والاعتكاف فليس وقتا لعبادة الحائض فلا يترتب عليها فيه شئ. وأما العاجز فالوقت في حقه قابل لترتب العبادة المقدورة في ذمته فالوقت في حقه غير مناف لشرعية العبادة بحسب قدرته بخلاف الحائض. فالعاجز ملحق بالمريض المعذور الذى يؤمر بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه. والحائض ملحقة بمن هو من غير أهل التكليف فافترقا. وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعث أناسا لطلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكروا ذلك له فنزلت آية التيمم فلم ينكر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليهم ولم يأمرهم بالإعادة وحالة عدم التراب كحالة عدم مشروعيته ولا فرق فإنهم صلوا بغير تيمم لعدم مشروعية التيمم فمقتضى القياس والسنة أن العادم يصلى على حسب حاله فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يعيد لأنه فعل ما أمر به فلم تجب عليه الإعادة كمن ترك القيام والاستقبال والسترة والقراءة لعجزه عن ذلك (فإن قيل) القيام له بدل وهو القعود فقام بدله مقامه كالتراب عند عدم الماء والعادم هنا صلى بغير أصل ولا بدل (قيل) هذا هو مأخذ المانعين من الصلاة والموجبين للإعادة ولكنه منتقض بالعاجز عن ستر العورة فإنه يصلى من غير اعتبار بدل وكذلك العاجز عن الاستقبال وأيضا

<<  <  ج: ص:  >  >>