للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظاهرها التشبيه الطريق الواضح السالم فأجروها على ظاهرها مصدقين بها على وجه الإجمال منزهين الله تعالى عن التشبيه والكيفية لقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). وهذا مذهبنا وهو أسلم

(وأما جمهور) الخلف فيؤوّلون ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهة تأويلات عربية صحيحة تليق بجلال الله سبحانه وتعالى، لما ثبت بالقواطع العقلية من أن الله تعالى منزه عن الجسمية والتميز والحركة والسكون والجهة فامتنع عليه النزول بمعنى الانتقال من جهة موضع أعلى إلى أخفض منه، فيقولون ينزل ملك ربنا فهو على تقدير مضاف كما يقال فعل الأمير إذا فعل بعض أتباعه، ويدل له ما في بعض طرق الحديث عند النسائي بلفظ يأمر مناديًا ينادي يقول هل من داع "الحديث" وقيل معنى ينزل ربنا يقبل على عبادة ويبسط عليهم رحمته ويعمهم بإحسانه ويجيب دعوتهم ويقبل معذرتهم كما هو شأن الملوك الكرماء إذا نزلوا بقرب قوم محتاجين ينعمون عليهم ويزيلون كربهم ويتلطفون بهم

(وقال العيني) في شرح البخاري وحمل صاحب المفهم الحديث عل النزول المعنوي على رواية مالك عند مسلم فإنه قال فيها يتنزل ربنا بزيادة تاء بعد ياء المضارعة، فقال كذا صحت الرواية هنا وظاهرة في النزول المعنوي، وإليها يرد ينزل على أحد التأويلات. ومعنى ذلك أن مقتضى عظمة الله تعالى وجلاله واستغنائه أن لا يعبأ بحقير ذليل فقير لكن يتنزل بمقتضى كرمه ولطفه لأن يقول من يقرض غير عدوم ولا ظلوم ويكون قوله إلى السماء الدنيا عبارة عن الحالة القريبة إلينا والدنيا بمعنى القربى اهـ

وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض الثقات ضبط ينزل بضم أوله على حذف المفعول أي ينزل ربنا ملكًا (ويقويه) ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديًا لقول هل من داع فيستجاب له "الحديث" قال القرطبي وبهذا يرتفع الإشكال "ولا يعكر" عليه ما في رواية رفاعة الجهني ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول لا يسأل عن عبادى غيري "لأنه ليس" في ذلك ما يدفع التأويل المذكور أفاده الحافظ في الفتح

(ومذهب السلف) أسلم المذاهب وأولاها بالقبول والاتباع قال البيهقي بعد نقل المذاهب في ذلك. وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه، ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم أفاده الحافظ في الفتح

(وقال النووي) في شرح مسلم في هذا الحديث وشبهه من حديث الصفات مذهبان مشهوران

(أحدهما) مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين الإيمان بحقيقتها على ما يليق به تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا نتكلم في تأويلها مع اعتقادنا تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق من الانتقال والحركات وسائر صفات الخلق

(وثانيهما) مذهب أكثر المتكلمين وجماعة من السلف وهو محكي عن مالك والأوزاعي أنها مؤولة بما يليق بها بحسب

<<  <  ج: ص:  >  >>