للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآدمى وما في معناه من العذرة المائعة وغير ذلك من النجاسات. فأما بول الآدمى وما في معناه فينجس الماء وإن كان أكثر من القلتين وأما غيره من النجاسات فتعتبر فيه القلتان، وكأنه رأى أن الخبث المذكور في حديث القلتين عام بالنسبة إلى النجاسات وهذا الحديث خاص بالنسبة إلى بول الآدمى فيقدم الخاص على العام بالنسبة إلى النجاسات الواقعة في الماء الكثير ويخرج بول الآدمى وما في معناه من جملة النجاسات الواقعة في القلتين بخصوصه فينجس الماء دون غيره من النجاسات ويلحق بالبول المنصوص عليه ما يعلم أنه في معناه (واعلم) أن هذا الحديث لا بد من إخراجه عن ظاهره بالتخصيص أو التقييد لاتفاقهم على أن الماء المستبحر الكثير جدًّا لا تؤثر فيه النجاسة، على أن الماء إذا غيرته النجاسة امتنع استعماله، فمالك رحمه الله تعالى إذا حمل النهى على الكراهة لاعتقاده أن الماء لا ينجس إلا بالتغيير لا بد أن يخرج صورة التغير بالنجاسة عن الحكم بالكراهة فإن الحكم هنا التحريم فإذاً لا بدّ من الخروج عن الظاهر عند الكل فلأصحاب أبى حنيفة أن يقولوا خرج عنه المستبحر الكثير جدًّا بالإجماع فيبقى ما عداه على حكم النص فيدخل تحته ما زاد على القلتين، ويقول أصحاب الشافعى خرج الكثير المستبحر بالإجماع الذى ذكرتموه وخرج القلتان فما زاد بمقتضى حديث القلتين فيبقى ما نقص عن القلتين داخلا تحت مقتضى الحديث، ويقول من نصر قول أحمد رحمه الله تعالى خرج ما ذكرتموه وبقي ما دون القلتين داخلا تحت النص إلا أن ما زاد على القلتين مقتضى حديث القلتين فيه عام في الأنجاس فيخص ببول الآدمى، ولمخالفهم أن يقول قد علمنا جزما أن هذا النهى انما هو لمعنى في النجاسة وعدم التقرب إلى الله تعالى بما خالطها وهذا المعنى تستوى فيه سائر الأنجاس ولا يتجه تخصيص بول الآدمى منها بالنسبة إلى هذا المعنى فإن المناسب لهذا المعنى أعنى التنزّه عن الأقذار أن يكون ما هو أشدّ استقذارا أوقع في هذا المعنى وأنسب له وليس بول الأدمى بأقذر من سائر النجاسات بل قد يساويه غيره أو يترجح عليه فلا يبقى لتخصيصه دون غيره بالنسبة إلى المنع معنى فيحمل الحديث على أن ذكر البول وقع تنبيها على غيره مما يشاركه في معناه من الاستقذار، والوقوف على مجرّد الظاهر ها هنا مع وضوح المعنى وشموله لسائر الأنجاس ظاهرية محضة. وأما مالك رحمه الله تعالى فإذا حمل النهى على الكراهة يستمرّ حكم الحديث في القليل والكثير غير المستثنى بالاتفاق وهو المستبحر مع حصول الإجماع على تحريم الاغتسال بعد تغير الماء بالبول. فهذا يؤدّى إلى حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين وهى مسألة أصولية، فإن جعلنا النهى للتحريم كان استعماله في الكراهة والتحريم استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه والأكثرون على منعه، وقد يقال على هذا إن حالة التغير مأخوذة من غير هذا اللفظ فلا يلزم استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين وهذا متجه إلا أنه يلزم منه التخصيص في هذا الحديث اهـ بتصرّف

<<  <  ج: ص:  >  >>