للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاصْبِرِي". فَقَالَتْ وَمَا تُبَالِي أَنْتَ بِمُصِيبَتِي فَقِيلَ لَهَا هَذَا النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. فَأَتَتْهُ فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَعْرِفْكَ فَقَالَ "إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". أَوْ "عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ".

(ش) (عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري تقدم بالخامس ص ٢٨ و (شعبة) ابن الحجاج. و (ثابت) البناني

(قوله أتى نبي الله على امرأة تبكي الخ) لم نقف على اسمها ولا على اسم ولدها الذي توفي. وكانت تلك المرأة عند القبر كما في رواية البخاري

(قوله اتقي الله واصبري) لعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمع في بكائها نوحًا ولهذا أمرها بالتقوى التي ذكرها توطئة لأمره لها بالصبر, ويؤيده ما في مرسل يحيى بن كثير فسمع ما يكره. والمعنى احذري غضب الله تعالى وعقابه واتركي النياحة ولا تجزعي ليحصل لك الأجر

(قوله وما تبالي أنت بمصيبتي) تعني لا يهمك أمرها, وفي رواية البخاري إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي

(قوله فقيل لها هذا النبي) القائل لها الفضل بن العباس كما في رواية الطبراني في الأوسط عن أنس وزاد مسلم في روايته فأخذها مثل الموت "أي من شدة الكرب" الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خجلًا منه ومهابة, ولم تعرفه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان من شأنه أن لا يستتبع الخدم كما جرت به عادة الملوك والأكابر مع ما كانت فيه من شواغل الوجد والبكاء. ولم يعرفها بنفسه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذه الحال التي لا تملك فيها نفسها رحمة بها وشفقة منه عليها, إذ لو عرفها بنفسه حينئذ فربما لم تسمع فتهلك, ومعصيتها له وهي لا تعلم به أخف من معصيتها لو علمت

(قوله فلم تجد على بابه بوابين) وفي رواية للبخاري بوابًا, فإنه كان لا يتخذ بوابًا مع قدرته على ذلك تواضعًا

(قوله إنما الصبر عند الصدمة الأولى) أي لا يكون الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل إلا عند أول المصيبة لكثرة المشقة فيه. والصدم في الأصل ضرب الشيء الصلب بمثله فاستعير لورود المصيبة على القلب, قال الخطابي: المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجاه المصيبة بخلاف ما كان بعد ذلك فإنه على الأيام يسلواهـ وقال الزين بن المنير فائدة جواب المرأة بذلك أنها لما جاءت طائعة لما أمرها به التقوى والصبر معتذرة عن قولها الصادر عن الحزن بين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال فهو الذي يترتب عليه الثواب اهـ "يعني الثواب الكامل" وجوابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهذا عن قولها لم أعرفك من قبيل الأسلوب الحكيم كأنه قال لها دعي الاعتذار فإني لا أغضب لغير الله تعالى وتحلي بما فيه سعادتك في الدارين

<<  <  ج: ص:  >  >>