للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلوا بحديث عليّ وحديث عبادة بن الصامت الآتيين. لكنهما لا يصلحان للدلالة على النسخ لأن حديث عليّ من فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وهو لا ينسخ القول الخاص بالأمة، وما ورد في رواية أحمد من زيادة قوله وأمرنا بالجلوس، فإن صحت هذه الزيادة صلح الحديث للنسخ، لكن لم يخرجها مسلم ولا الترمذي ولا المصنف بل اقتصروا على قوله ثم جلس بعد. ولأن حديث عبادة ابن الصامت ضعيف كما يأتي بيانه، فلا يصلح دليلًا على نسخ تلك السنة الثابتة بالأحاديث الصحيحة وعلى فرض صحتهما فلا نسخ أيضًا لأنه لا يصلح إليه إلا إذا تعذر الجمع وهو هنا ممكن بحمل الأمر في أحاديث القيام على الندب، وفي أحاديث القعود على بيان الجواز، فالظاهر القول بمشروعية القيام للجنازة عند مرورها، واقتصار جمهور المخرجين لحديث عليّ وحفاظهم على مجرد القعود بدون زيادة الأمر بالجلوس مما يوجب عدم الاطمئنان إلى تلك الزيادة والتمسك بها في النسخ للأحاديث التي بلغت من الصحة الغاية، لا سيما بعد أن شد من عضدها عمل جماعة من الصحابة بها بعد عصر النبوة.

ويبعد أن يخفى على مثلهم الناسخ. ولذا اختار النووي في شرح المهذب عدم النسخ وقال: قد صحت الأحاديث بالأمر بالقيام ولم يثبت في القعود شيء إلا حديث علي، وهو ليس صريحًا في النسخ بل ليس فيه نسخ لأنه يحتمل أن يكون القعود لبيان الجواز اهـ وقال ابن عبد البر جاءت آثار صحاح ثابتة توجب القيام للجنازة وقال بها جماعة من السلف والخلف ورأوها غير منسوخة اهـ وقال ابن حزم نستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء وإن كانت جنازة كافر حتى توضع أو تخلفه فإن لم يقم فلا حرج

(إلى أن قال) فإن قعوده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعني في حديث عليّ بعد أمره بالقيام مبينًا أنه أمر ندب وليس يجوز أن يكون هذا نسخًا لأنه لا يجوز ترك سنة متيقنة إلا بيقين نسخ، والنسخ لا يكون إلا بالنهي أو بترك معه نهي قال وممن كان يجلس ابن عباس وأبو هريرة وابن المسيب اهـ

وقال أحمد إن شاء قام وإن شاء لم يقم واحتج بأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام ثم قعد. وهكذا قال إسحاق

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه

والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا تَبِعْتُمُ الْجَنَازَةَ فَلاَ تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ".

(ش) مناسبة الحديث للترجمة أن القيام للجنازة مطلوب ممن رآها وهو جالس في طريقها

<<  <  ج: ص:  >  >>