للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أبي اليمان الهوزني قال: لما توفي أبو طالب خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعارض جنازته. قال ابن عوف فجعل يمشي مجانبًا لها وهو يقول: برتك رحم وجزيت خيرًا ولم يقم على قبره. وفي نسخة رحمة بدل رحم (١) , أي "الإحسان إليك بالسير في جنازتك من صلة الرحم

(قوله فأمرني فأغتسلت) أمره بالغسل لكونه غسل أبا طالب ومن غسل ميتًا ينبغي أن يغتسل, أو لكون أبي طالب مشركًا وهو نجس لقوله تعالى "إنما المشركون نجس" والظاهر الأول لعموم حديث من غسل ميتًا فليغتسل كما تقدم

(فقه الحديث) دل الحديث على أن المسلم إذا مات له قريب كافر يقوم بدفنه, وكذا بغسله وتكفينه كما في الروايات الآخر. وإليه ذهبت الحنفية والشافعية. وقالت المالكية والحنابلة إن المسلم لا يغسل قريبه الكافر ولا يكفنه ولا يدفنه إلا أن يخاف عليه الضياع فيواريه وجوبًا مكفنًا في شيء لقوله تعالى "يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قومًا غضب الله عليهم" وغسلهم ونحوه تول لهم ولأنه تعظيم لهم وتطهير فأشبه الصلاة عليهم. وعلى مشروعية الغسل لمن باشر تغسيل الميت ولا سيما إذا كان كافرًا. وعلى أن أبا طالب مات كافرًا, ولهذا لم يصل عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يأمر عليًا بالصلاة عليه.

ويدل لهذا أيضًا ما رواه مسلم والبخاري واللفظ له من طريق ابن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعنده أبو جهل فقال: أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله, فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب, فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنه. فنزلت "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" ونزلت "إنك لا تهدى من أحببت"

ويؤيده أيضًا ما رواه الشيخان من طريق عبد الله بن الحارث قال: حدثنا العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أغنيت عن عمك؟ فوالله كان يحوطك ويغضب لك قال هو في ضحضاح من نار, ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. والضحضاح بفتح المعجمتين بينهما حاء مهملة الماء يبلغ الكعب فاستعير للنار.

وفي حديث ابن عباس عند مسلم إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب له نعلان يغلي منهما دماغه. وللبزار من حديث جابر قيل للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل نفعت أبا طالب؟ قال أخرجته من النار إلى ضحضاح منها. ولهذا الأحاديث ونحوها قال أكثر أهل العلم إن أبا طالب مات كافرًا. وبه تعلم بطلان ما ذهب إليه بعض الشيعة من أنه مات مسلمًا مستدلين بأحاديث لا يثبت منها شيء.


(١) وبرة اسم علم بمعنى البر

<<  <  ج: ص:  >  >>