للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحتمل أن هذا خاص بالصحابة رضي الله عنهم لأنهم كانوا ينطقون بالصدق والحكمة لعدالتهم ومثلهم من كان على صفتهم من المؤمنين الأتقياء، فالمعول عليه في ذلك شهادة أهل الفضل والصلاح والصدق والأمانة بخلاف الفسقة لأنهم قد يذكرون أهل الفسق بالخير وأهل الفضل والصلاح بالشر فليسوا داخلين في هذا الحديث. ومصداق هذا الحديث قوله تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون، الرسول عليكم شهيدًا" أي جعلناكم عدولًا خيارًا تشهدون علي غيركم من الأمم ويكون الرسول مزكيًا لكم مبينًا عدالتكم

(وفي الحديث) تزكية من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته وإظهار عدالتهم وأن لشهادة المؤمنين مدخلًا في نفع المشهود له وضرر المشهود عليه "فإن" قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجبت بعد الثناء "حكم" عقب وصف مناسب مشعر بالعلية. ويؤيده ما رواه البخاري عن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال، "أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا وثلاثة قال وثلاثة فقلنا واثنان فقال واثنان ثم لم نسأله عن الواحد" وما روى صاحب المرقاة من أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال حين أثنوا على جنازة جاء جبريل وقال يا محمد إن صاحبكم ليس كما يقولون إنه كان يعلن كذا ويسر كذا ولكن الله صدقهم فيما يقولون وغفرله ما لا يعلمون.

قال والأظهر أن هذا أمر أغلبي فإن الثناء علامة مطابقة للواقع غالبًا, وليس المراد أن من خلق للجنة يصير من أهل النار بقولهم ولا عكسه إذ قد يذكر بالخير أو الشر وهو في الواقع على خلاف ذلك اهـ بتصرف.

وقال النووي في شرح مسلم والصحيح المختار أنه على عمومه وإطلاقه وأن كل مسلم مات فألهم الله تعالى الناس أو معظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلًا على أنه من أهل الجنة سواء أكانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا لأنه وإن لم تكن أفعاله تقتضيه فلا تتحتم عليه العقوبة بل هو تحت المشيئة فإذا ألهم الله الناس الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه تعالى قد شاء المغفرة له وبهذا تظهر فائدة الثناء اهـ.

قال الحافظ في الفتح وهذا في جانب الخير واضح ويؤيده ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعًا "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرًا إلا قال الله تعالى قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون". وأما جانب الشر فظاهر الأحاديث أنه كذلك لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره اهـ.

ويؤيده ما أخرجه الحاكم من طريق النضر بن أنس عن أنس وفيه يا أبا بكر إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر

(فقه الحديث) دل الحديث على جواز ذكر الميت بما فيه من خير أو شر. وعلى نجاة من شهد له الصالحون بالخير. ومحله إذا شهدوا بما يعلمون منه بحسب ظاهر حاله "فما يفعله" كثير من أهل زماننا من قول بعضهم بعد الصلاة على الميت ما تشهدون فيه ويريد بذلك الثناء عليه بخير ولو كان

<<  <  ج: ص:  >  >>