للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وولدت طهرًا. قال الزرقاني في شرح المواهب نقلًا عن الجلال السيوطي بعد ذكر هذه الأبيات وهذا القول منها صريح في أنها موحدة إذ ذكرت دين إبراهيم وبعث ابنها صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بالإِسلام من عند الله ونهيه عن الأصنام وموالاتها وهل التوحيد شيء غير هذا؟

فإن التوحيد هو الاعتراف بالله وإلهيته وأنه لا شريك له والبراءة من عبادة الأصنام ونحوها وهذا القدر كاف في التبري من الكفر وثبوت صفة التوحيد في الجاهلية قبل البعثة، وإنما يشترط قدر زائد على هذا بعد البعثة، ولا يظن بكل من كان في الجاهلية أنه كان كافرًا على العموم، فقد تحنف فيها جماعة فلا بدع أن تكون أمه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم منهم. كيف وأكثر من تحنف منهم إنما كان سبب تحنفه ما سمعه من أهل الكتاب والكهان قرب زمنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أنه قرب بعث نبي من الحرم صفته كذا. وأمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمعت من ذلك أكثر مما سمعه غيرها وشاهدت في حمله وولادته من آياته الباهرة ما يحمل علي التحنف ضرورة ورأت النور الذي خرج منها أضاء لها قصور الشام حتى رأتها وقالت لحليمة حين جاءت به وقد شق صدره أخشيتما عليه الشيطان؟ كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإنه لكائن لابني هذا شأن اهـ بحذف.

أما ما رواه ابن شاهين والحاكم عن ابن مسعود قال جاء ابنا مليكة فقالا يا رسول الله إن أمنا كانت تكرم الضيف وقد وأدت في الجاهلية فأين أمنا؟ فقال أمكما في النار فقاما وقد شق عليهما فدعاهما صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن أمي مع أمكما فقال منافق ما يغني هذا عن أمه إلا ما يغني ابنا مليكة عن أمهما فقال شاب من الأنصار أرأيت أبويك في النار؟ فقال صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ما سألتهما ربي فيعطيني فيهما وإني لقائم يومئذ المقام المحمود

فقد قال السيوطي هذا الحديث يشعر بأنّه يرتجى لهما الخير عند قيامه المقام المحمود بأن يشفع لهما فيوفقا للطاعة إذا امتحنا حينئذ كما يمتحن أهل الفترة. والمراد بالمعية في الحديث كونهما معها في دار البرزخ.

وعبر بذلك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تورية وتطييبًا لقلوبهما كما أجاب من سأله عن أبيه فقال له إن أبي وأباك في النار. فإنه كان من عاداته صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سأله أعرابي ممن هو مظنة الفتنة والردة وخاف من إفصاح الجواب له فتنته واضطراب قلبه أجابه بجواب فيه تورية وإيهام. فهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، لما كره أن يفصح للأعرابي الجواب بمخالفة أبيه لأبيه في المحل الذي هو فيه خشية البعد عن الإِسلام لما جبلت عليه النفوس من كراهة الاستئثار عليها. ولما كانت عليه العرب من الجفاء والغلظة أورد له جوابًا موهمًا تطمينًا لقلبه.

وقد جاء في رواية أن هذا الأعرابي أسلم بعد وقد تقدم بيان ما في الحديث وافيًا. وأما أبوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد نقل عنه كلمات تدل على توحيده وإيمانه بالشرائع القديمة كقوله حين عرضت امرأة نفسها عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>