للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فأستبينه

يحمي الكريم عرضه ودينه ... فكيف بالأمر الذي تبغينه

هذا مع ما كان عليه من كمال العفة فقد افتتن به النساء ولم ينلن شيئًا. قال القسطلاني وقد تمسك القائل بنجاة أبويه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنهما ماتا قبل البعثة في زمن الفترة ولا تعذيب قبلها لقول الله تعالى "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا" وقد أطبقت الأئمة الأشاعرة من أهل الأصول والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيًا اهـ.

قال

السيوطي هذا مذهب لا خلاف فيه بين الشافعية في الفقه والأشاعرة في الأصول اهـ.

وأما جده عبد المطلب فكان على الحنيفية والتوحيد وصدق بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل بعثته لما رآه من الأدلة الدالة على رسالته. قال السهيلي إن عبد المطلب لم تبلغه الدعوة وجاءت أدلة كثيرة تشهد بأن عبد المطلب كان على الحنيفية والتوحيد اهـ.

ويؤيده ما ذكر في السيرة الحلبية عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يبعث جده عبد المطلب في زي الملوك وأبهة الأشراف. ويؤيده أيضًا أنه كان يأمر بنيه بمكارم الأخلاق وكان يتحنث بغار حراء

ويطعم المساكين حتى كان يرفع للطير والوحوش في رءوس الجبال من مائدته وكان يقطع يد السارق ويفي بالنذر ويحرم الخمر على نفسه ويمنع من الزنا ومن نكاح المحارم وقتل الموءودة ومن الطواف بالبيت عريانًا، وكان يقول والله إن وراء هذه الدار دارًا يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسيء بإساءته.

وروي عنه أخبار كثيرة تقتضي أنه عرف بها نبوة النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.

فمن ذلك أن قومًا من بني مدلج وهم القافة العارفون بالآثار والعلامات قالوا له في حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتفظ به فإنا لم نر قدمًا أشبه بالقدم الذي في المقام منه "يعنون قدم إبراهيم عليه السلام"

ومن ذلك أن عبد المطلب كان يومًا في الحجر وكان معه عالم منا نصارى نجران فحدثه إنا نجد صفة نبي تقي من ولد إسماعيل وهذا البلد مولده ومن صفاته كذا وكذا فأتى برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنظر إليه وإلى عينيه وإلى ظهره وقدميه فقال هو هو ما هذا منك؟ قال هذا ابني قال ما نجد أباه حيًا قال هو ابن ابني وقد مات أبوه وأمه حبلى به قال صدقت. قال عبد المطلب لبنيه تحفظوا بابن أخيكم ألا تسمعون ما يقال فيه.

ومنها ما ذكره ابن الجوزي من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أصابه رمد شديد سنة سبع من مولده فعولج في مكة فلم يفد العلاج فقيل لعبد المطلب إن في ناحية عكاظ راهبًا يعالج الأعين فركب إليه فناداه وديره مغلق فلم يجبه فتزلزل ديره حتى خاف أن يسقط عليه فخرج مبادرًا فقال يا عبد المطلب إن هذا الغلام نبي هذه الأمة ولو لم أخرج إليك لخرب على ديري فارجع به واحفظه لا يقتله بعض أهل الكتاب فعالجه وأعطاه ما يعالج به. وفي رواية أنّ الراهب

<<  <  ج: ص:  >  >>