للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم زكاة غيره فجائز اتفاقًا. وأما شراؤه زكاة نفسه فالجمهور على كراهته للنهي عنه في حديث زيد بن أسلم أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول: حملت على فرس عتيق في سبيل الله, وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقه كالكلب يعود في قيئه. رواه مالك والبخاري ومسلم. وحملوا النهي فإن في هذا الحديث على الكراهة لأن فعل الكلب لا يوصف بتحريم لعدم تكليفه فالتشبيه للتنفير خاصة لأن القيء مما يستقذر. ولعموم قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث الباب "أو رجل اشتراها بماله" فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يخص فيه المتصدق من غيره. وذهب أحمد والحسن وقتادة والباجي وجماعة من المالكية إلى تحريم شراء الشخص صدقة نفسه إبقاء للنهى في حديث عمر على ظاهره بدليل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" أي كما يقبح من الإنسان أن يقيء ثم يأكله، كذلك يقبح أن يتصدق بشيء ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه، فشبه بأخس الحيوان في أخس أحواله تصويرًا لاستقباح الرجوع في الصدقة وتنفيرًا منه. قال القرطبي والتحريم هو الظاهر من سياق الحديث. ويدل على التحريم ما ذكره في المغني عن جابر أنه قال: إذا جاء المصدق فادفع إليه صدقتك ولا تشترها، فإنهم كانوا يقولون ابتعها فأقول إنما هي لله. وعن ابن عمر أنه قال لا تشتر طهور مالك. ولأن في شرائه لها وسيلة إلى استرجاع شيء منها لأن الفقير يستحي منه فلا يراجعه في ثمنها وربما رخصها له طمعًا في أن يدفع إليه صدقة أخرى، وربما علم أو توهم أنه إن لم يبعه إياها استرجعها منه، وما هذا سبيله ينبغي أن يجتنب كما لو اشترط عليه أن يبيعه إياها.

(وأجابوا) عن حديث الباب بأنه مرسل. وعلى فرض صحته فعمومه مخصوص بحديث عمر وهو صحيح فإن المراد منه شراء صدقة الغير لا صدقة نفسه فالعمل على حديث عمر أولى من كل وجه اهـ

(ويمكن الجواب) بأن حديث الباب محمول على صدقة الفريضة، وحديث عمر محمول على صدقة التطوع فإن صدقة الفريضة لا يتصور الرجوع فيها بخلاف صدقة التطوع. ولا يفسخ البيع إن وقع مع أن النهي يقتضي الفساد للإجماع على ثبوت البيع كما قاله ابن المنذر. وقال ابن عبد البر يحتمل أن النهي في حديث عمر للتنزيه وسدّ الذريعة اهـ

ويلحق بالصدقة الكفارة والنذر وغيرهما من القربات وبالشراء الهبة ونحوها مما به التملك اختيارًا. أما إرث الصدقة فلا حرمة فيه ولا كراهة لأنها رجعت إلى ملكه بغير اختياره، ولما رواه مسلم والنسائي والترمذي وسيأتي للمصنف في "باب من تصدق بصدقة ثم ورثها" عن بريدة أن امرأة أتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت: كنت تصدقت على أمي بوليدة وإنها ماتت وتركت تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>