للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتشديد الميم أي أعطاني أجرة عملي

(قوله فقلت مثل قولك) هو كما في رواية للبخاري والنسائي من طريق عبد الله بن السعدي أنه قدم على عمر في خلافته فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالًا فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت بلى. فقال عمر ما تريد إلى ذلك؟ فقلت إن لي أفراسًا وأعبدًا وأنا بخير وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين، قال عمر لا تفعل فإني كنت أردت الذي أردت وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعطيني العطاء فأقول أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالًا فقلت أعطه أفقر إليه مني. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خذه فتموله وتصدق به فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك

(قوله فكل وتصدق) أي اصنع ما شئت من الأكل والصدقة أو كل إن كنت فقيرًا وتصدق إن كنت غنيًا

(فقه الحديث) دل الحديث على بيان فضل ابن السعدي وعمر رضي الله تعالى عنهما وزهدهما وإخلاصهما في العمل ابتغاء وجه الله عز وجل. وعلى جواز أخذ الأجرة في نظير القيام بعمل من أعمال المسلمين دينيًا أو دنيويًا ولو كان العامل غنيًا أو العمل فرضًا كالقضاء والتدريس بل يجب على الإمام كفاية هؤلاء ومن في معناهم من بيت المال. ولذا قال الطحاوي ليس معنى الحديث في الصدقات وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإِمام على من يستحقها من الأغنياء والفقراء. ويدل عليه أنه لما قال عمر أعطه من هو أفقر إليه مني لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر وهو العمل اهـ

ويؤيده ما تقدم في رواية البخاري من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "خذه فتموّله" فإن الفقير إنما يأخذ ما يحتاجه لا ما يتخذه مالًا. ودل الحديث على أن ردّ عطية الإِمام ليس من الأدب ولا سيما من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(واختلف) فيمن جاءه مال من غير مسألة ولا إشراف نفس هل يجب قبوله؟ ذهب أحمد إلى وجوبه أخذًا بظاهر الحديث. وذهب الجمهور إلى أنه مستحب في غير عطية السلطان، أما عطيته فالصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يده حرم قبوله، وكذا إن أعطى من لا يستحق وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن بالآخذ مانع يمنعه من استحقاق الأخذ. وقيل إن الأخذ من السلطان واجب لقوله تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه" فإذا لم يأخذه فكأنه لم يأتمر وقال الحافظ في الفتح: والتحقيق في المسألة أن من علم كون ماله حلالًا فلا تزد عطيته، ومن علم كون ماله حرامًا فتحرم عطيته، ومن شك فيه فالاحتياط رده وهو الورع. ومن أباحه أخذ بالأصل قال ابن المنذر: واحتج من رخص فيه بأن الله تعالى قال في اليهود (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وقد رهن الشارع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم درعه عند يهودي مع علمه بذلك وكذلك أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير والمعاملات الفاسدة اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>