للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن حبان والبيهقى عن أبى مالك الأشعرى قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن فى الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن ألان الكلام وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام اهـ. فإنه يشمل صيام الدهر. ولما رواه البيهقى أيضا عن ابن عمر أنه سئل عن صيام الدهر فقال: كنا نعد أولئك فينا من السابقين. ولما رواه أيضا عن عروة أن عائشة كانت تصوم الدهر فى السفر والحضر. وقد ثبت أن أبا طلحة الأنصارى وحمزة بن عمرو الأسلمى كانا يصومان الدهر سوى الأيام المنهى عن صيامها ولم ينكر عليهما النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وأجابوا) عن حديث الباب وأشباهه بما أجابت به عائشة واختاره ابن المنذر وطائفة من أن المراد صام الدهر كله من غير أن يترك أيام العيد وأيام التشريق المنهى عنها اهـ أو بأنه محمول على من تضرر بصوم الدهر، أو فوت به حقا واجبا ويؤيده ما فى حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص عند البخارى وغيره كما تقدم من أنه عجز وضعف فى آخر عمره، وندم على كونه لم يقبل الرخصة، وكان يقول: يا ليتنى قبلت رخصة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وأجابوا) عن حديث "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم" بأن على بمعنى عن, أى ضيقت عنه فلا يدخلها. قال ابن خزيمة سألت المزنى عن هذا الحديث فقال: يشبه أن يكون على ظاهره لأن من ازداد لله عملا وطاعة ازداد عند الله رفعة وعلته كرامة اهـ ورجح هذا التأويل جماعة منهم الغزالى فقالوا له مناسبة من جهة أن الصائم لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لأنه ضيق طرقها بالعبادة، أو أن الحديث باق على حقيقته ويكون محمولا على من فوت حقا واجبا بصيامه فإنه يتوجه عليه الوعيد الشديد

(قوله قال يا رسول الله كيف بمن يصوم يومين الخ) أى قال عمر أخبرنى يا رسول الله عن حال من يصوم يومين ويفطر يوما. فأجابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله: أو يطيق ذلك أحد؟ أى لا يطيقه أحد. فهو استفهام انكارى بمعنى النفى. وقيل إن الواو عطف على مقدر أى أتقول ذلك ويطيق الصيام المذكور أحد, وفى ذلك إشارة إلى أن العلة فى النهى عن صوم الدهر حصول المشقة والضرر. فلو وجد أحد من نفسه الطاقة على ذلك ولم يخش حصول المشقة جاز له ذلك

(قوله قال ذلك صوم داود) وفى نسخة قال ذلك يعنى وهو أفضل الصيام كما يدل عليه حديث عبد الله بن عمر والآتى بعد حديث, لما فيه من مراعاة جانب العبادة والعادة وخير الأمور أوساطها. وشرها تفريطها وإفراطها

(قوله وددت أنى أطقت ذلك) وفى نسخة أنى طوقت بالبناء للمفعول أى تمنيت أن يجعلنى الله مطيقا لذلك الصيام: وودد من باب تعب يقال وددت الشئ تمنيته, وإنما نفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القدرة على ذلك باعتبار حال الأمة وإلا فقد كان يطيق ذلك وأكثر منه, ومع هذا لم يثبت أنه صام الدهر ولا قام الليل كله. وكأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>