للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمعة والجماعة، فأولى أن يباح لأجله ترك ما أوجبه على نفسه. وكذلك إن تعذر عليه المقام في المسجد لمرض لا يمكنه المقام معه فيه كالقيام المتدارك أو لسلس البول أو الإغماء أو لا يمكنه المقام إلا بمشقة شديدة مثل أن يحتاج إلى خدمة وفراش فله الخروج. وإن كان المرض خفيفا كالصداع ووجع الضرس ونحوهما، فليس له الخروج فإن خرج بطل اعتكافه. وله الخروج إلى ما يتعين عليه من الواجب مثل الخروج في النفير إذا عم، أو حضر عدو يخافون كلبه واحتيج إلى خروج المعتكف لزمه الخروج، لأنه واجب متعين فلزم الخروج إليه كالخروج إلى الجمعة وإذا خرج ثم زال عذره نظرنا. فإن كان تطوعا فهو مخير إن شاء رجع إلى معتكفه وإن شاء لم يرجع. وإن كان واجبًا رجع إلى معتكفه فبنى على ما مضى من اعتكافه. ثم لا يخلو النذر من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يكون نذر اعتكافًا في أيام غير متتابعة ولا معينة، فهذا لا يلزمه قضاء، بل يتم ما بقى عليه، لكنه يبتدئ اليوم الذى خرج فيه من أوّله ليكون متتابعا ولا كفارة عليه، لأنه أتى بما نذر على وجهه فلا يلزمه كفارة كما لو لم يخرج (الثاني) نذر أياما معينة كشهر رمضان فعليه قضاء ما ترك وكفارة يمين بمنزلة تركه المنذور في وقته. ويحتمل ألا يلزمه كفارة على ما سنذكره إن شاء الله (الثالث) نذر أياما متتابعة فهو مخير بين البناء والقضاء والتكفير وبين الابتداء ولا كفارة عليه لأنه يأتى بالمنذور على وجهه فلم يلزمه كفارة كما لو أتى به من غير أن يسبقه الاعتكاف الذى قطعه. ثم قال والمعتكف لا يتجر ولا يتكسب بالصنعة (وجملته) أن المعتكف لا يجوز له أن يبيع ولا يشترى إلا ما لا بد له منه. قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول: المعتكف لا يبيع ولا يشترى إلا ما لا بد له منه طعام أو نحو ذلك. فأما التجارة والأخذ والعطاء فلا يجوز شئ من ذلك (وقال الشافعى) لا بأس أن يبيع ويشترى ويخيط ويتحدّث ما لم يكن مأثما (ولنا) ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد. رواه الترمذى وقال حديث حسن. ورأى عمران القصير رجلا يبيع في المسجد فقال: ياهذا إن هذا سوق الآخرة فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا. وإذا منع من البيع والشراء في غير حال الاعتكاف ففي أولى فأما الصنعة فظاهر كلام الخرقى أنه لا يجوز منها ما يكتسب به لأنه بمنزلة التجارة بالبيع والشراء ويجوز ما يعمله لنفسه كخياطة قميصه ونحوه. وقد روى المروزي قال سألت أبا عبد الله عن المعتكف ترى له أن يخيط؟ قال لا ينبغى له أن يعتكف إذا كان يريد أن يفعل. وقال القاضى لا تجوز الخياطة في المسجد سواء أكان محتاجًا إليها أم لم يكن قل أم كثير، لأن ذلك معيشة تشغل عن الاعتكاف فأشبه البيع والشراء فيه. والأولى أن يباح له ما يحتاج إليه من ذلك إذا كان يسيرا مثل أن ينشق قميصه فيخيطه، أو ينحل شئ يحتاج إلى ربط فيربطه، لأن هذا يسير تدعو الحاجة إليه، فجرى مجرى لبس قميصه وعمامته وخلعهما اهـ وقال ابن حزم كل فرض على المسلم فإن الاعتكاف لا يمنع منه

<<  <  ج: ص:  >  >>