للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه أن يخرج إليه ولا يضر ذلك باعتكافه، وكذلك يخرج لحاجة الإنسان من البول والغائط وغسل النجاسة وغسل الاحتلام وغسل الجمعة ومن الحيض إن شاء في حمام أو في غير حمام، ولا يتردد "لذلك" أكثر من تمام غسله وقضاء حاجته، فإن فعل بطل اعتكافه، وكذلك يخرج لابتياع ما لا بد له ولأهله منه من الأكل واللباس، ولا يتردد على غير ذلك. فإن تردد بلا ضرورة بطل اعتكافه وله أن يشيع أهله إلى منزلها. وإنما يبطل الاعتكاف خروجه لما ليس فرضا عليه. وقد افترض الله تعالى على المسلم ما رويناه من طريق البخارى. أن أباهريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس" وأمر عليه الصلاة والسلام من دعى إن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل بمعنى أن يدعو لهم. وقال تعالى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} وقال تعالى {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} وقال تعالى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} فهذه فرائض لا يحل تركها للاعتكاف. وبلا شك عند كل مسلم أن كل من أدى ما افترض الله تعالى عليه فهو محسن. قال الله تعالى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} ففرض على المعتكف أن يخرج لعيادة المريض مرة واحدة يسأل عن حاله واقفا وينصرف، لأن ما زاد على هذا فليس من الفرض، وإنماهو تطويل فهو يبطل الاعتكاف. وكذلك يخرج لشهود الجنازة، فإذا صلى عليه انصرف، لأنه قد أدى الفرض، وما زاد فليس فرضا. وهو به خارج عن الاعتكاف. وفرض عليه أن يخرج إذا دعي فإن كان صائما بلغ إلى دار الداعى ودعا وانصرف ولا يزد على ذلك. وفرض عليه أن يخرج إلى الجمعة بمقدار ما يدرك أول الخطبة، فإذا سلم رجع. فإن زاد على ذلك خرج من الاعتكاف، فإن خرج كما ذكرنا ثم رأى أن في الوقت فسحة، فإن علم أنه إن رجع إلى معتكفه ثم خرج أدرك الخطبة فعليه أن يرجع وإلا فليتماد، وكذلك إن كان عليه في الرجوع حرج لقول الله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وكذلك يخرج للشهادة إذا دعى سواء قبل أو لم يقبل، لأن الله تعالى أمر الشهداء بألا يأبوا إذا دعوا ولم يشترط من يقبل ممن لا يقبل {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}. فإذا أداها رجع إلى معتكفه ولا يتردد، فإن تردد بطل اعتكافه. وإن نزل عدو كافر أو ظالم بساحة موضعه فإن اضطر إلى النفار نفر وقاتل، فإذا استغنى عنه رجع إلى معتكفه. فإن تردد لغير ضرورة بطل اعتكافه. وهذا كله قول أبي سليمان وأصحابنا. وروينا من طريق سعيد بن منصور إلى عاصم بن ضمرة قال: قال على بن أبي طالب: إذا عتكف الرجل فليشهد الجمعة، وليحضر الجنازة، وليعد المريض، وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم. قال: وروينا من طريق سعيد بن منصور أيضا إلى عمار بن عبد الله بن يسار عن أبيه أن على بن أبي طالب أعان ابن أخته جعدة بن هبيرة بسبعمائة درهم من عطائه أن يشترى بها خادما فقال: إنى كنت معتكفا. فقال له على: وما

<<  <  ج: ص:  >  >>