للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستدلين بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يتوضأ إلا مرتبا ولو لم يجب لتركه في وقت بيانا للجواز كما في التثليث، وبما صح من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ابدءوا بما بدأ الله به رواه النسائى هكذا بلفظ الأمر، ورواه مسلم بصيغة الخبر بلفظ نبدأ بما بدأ الله به، وهو شامل للوضوء وإن ورد في الحج فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبأنه تعالى ذكر ممسوحا بين مغسولات وتفريق المتجانس لا ترتكبه العرب إلا لفائدة وهى هنا وجوب الترتيب لا ندبه بقرينة الأمر في الخبر المذكور، ولأن العرب إذا ذكرت متعاطفات بدأت بالأقرب فالأقرب فلما ذكر فيها الوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين دلت على الأمر بالترتيب وإلا لقال فاغسلوا وجوهكم وامسحوا برءوسكم واغسلوا أيديكم وأرجلكم (وبوجوب) الرتيب قال أبو عبيد وقتادة وأبو ثور وإسحاق بن راهويه وحكي عن عثمان وابن عباس وهو رواية عن على والمشور عن أحمد إلا أنه قال بوجوبه أيضا بين المضمضة والاستنشاق لأنهما من تمام غسل الوجه عنده، وأما تقديمهما عليه فسنة "وذهب" مالك وأبو حنيفة والثورى والحسن البصرى وابن المسيب وعطاء والزهرى والنخعى والأوزاعي وربيعة والمزنى وداود إلى عدم الوجوب وقالوا لا ينتهض الترتيب بثمّ في الحديث على الوجوب لأنه من لفظ الراوى، وغايته أنه وقع من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على تلك الصفة، والفعل بمجرّده لا يدلّ على الوجوب، نعم قوله في آخر الحديث "من توضأ مثل وضوئى هذا الخ" يشعر بترتب المغفرة على وضوء مرتب على هذا الترتيب أما أنه يدلّ على الوجوب فلا. واستدلوا أيضا بقوله تعالى "فاغسلوا وجوهكم الآية" فعطف أعضاء الوضوء بعضها على بعض بالواو، والواو في كلام العرب تقتضى الجمع دون الترتيب. وأما ترتيب الأفعال المفروضة مع المسنونة فهو مستحب عند مالك كترتيب السنن بعضها مع بعض وسنة عند الشافعية والحنفية "قال" ابن رشد وسبب اختلافهم شيئان (أحدهما) الاشتراك الذى في واو العطف وذلك أنه قد يعطف بها الأشياء المرتبة بعضها على بعض وقد يعطف بها غير المرتبة وذلك ظاهر من استقراء كلام العرب ولذلك انقسم النحويون فيها قسمين، فقال نحاة البصرة لا تقتضى نسقا ولا ترتيبا وإنما تقتضى الجمع فقط، وقال الكوفيون بل تقتضى النسق والترتيب فمن رأى أن الواو في آية الوضوء تقتضى الترتيب قال بإيجاب الترتيب ومن رأى أنها لا تقتضى لم يقل بإيجابه، والسبب الثانى اختلافهم في أفعاله عليه الصلاة والسلام هل هي محمولة على الوجوب أو على الندب فمن حملها على الوجوب قال بوجوب الترتيب لأنه لم يرد عنه عليه الصلاة والسلام أنه توضأ قط إلا مرتبا، ومن حملها على الندب قال إن الترتيب سنة، ومن فرق بين المسنون والمفروض من الأفعال قال إن الترتيب الواجب إنما ينبغى أن يكون في الأفعال الواجبة ومن لم يفرق قال إن الشروط الواجبة قد تكون في الأفعال التى ليست واجبة اهـ والظاهر من

<<  <  ج: ص:  >  >>