للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى آله وسلم فجعل يعجب ممن يزعم أن الوضوء مما مست النار ويضرب فيه الأمثال ويقول إنا نستحم بالماء المسخن ونتوضأ به وندهن بالدهن المطبوخ وذكر أشياء مما يصيب الناس مما قد مست النار ثم قال لقد رأيتنى في هذا البيت عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد توضأ ثم لبس ثيابه فجاءه المؤذن فخرج إلى الصلاة حتى إذا كان في الحجرة خارجا من البيت لقيته هدية عضو من شاة فأكل منها لقمة أو لقمتين ثم صلى وما مسّ ماء. قال ورواه مسلم في الصحيح عن أبى كريب عن أبى أسامة، وفيه دلالة على أن ابن عباس شهد ذلك من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال قال الزعفراني قال أبو عبد الله الشافعى وإنما قلنا لا يتوضأ منه لأنه عندنا منسوخ ألا ترى أن عبد الله بن عباس وإنما صحبه بعد الفتح يروى عنه أنه رآه يأكل من كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ وهذا عندنا من أبين الدلالات على أن الوضوء منه منسوخ أو أن أمره بالوضوء منه بالغسل للتنظيف، والثابت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه لم يتوضأ منه ثم عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبيّ بن كعب وأبى طلحة كل هؤلاء لم يتوضؤوا منه اهـ (وقال) أما الطريقة الأولى فإليها ذهب جماعة من العلماء واحتجوا بما احتج به الشافعى من رواية ابن عباس ثم برواية جابر بن عبد الله الأنصارى ومحمد بن مسلمة وأبى هريرة. أما حديث جابر فأخرجه بسنده عن محمد بن المنكدر عنه قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما مست النار. وأما حديث محمد بن مسلمة فأخرجه بسنده عنه قال أكل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مما غيرت النار ثم صلى ولم يتوضأ وكان آخر أمريه. وأما حديث أبى هريرة فأخرجه بسنده عنه أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ من ثور أقط ثم رآه أكل من كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ ومنه تعلم أن كون حديث الباب مختصرا مما قبله لا ينافي كونه ناسخا لطلب الوضوء مما مست النار لتبين أن هذه القصة هي أخر الأمرين واستمرّ العمل بعدها على ترك الوضوء، ويجوز أن يكون ترك الوضوء قبلها فإنه ليس فيها أن الوضوء الأول كان لسبب الأكل لاحتمال أن يكون للحدث. أما دعواهم نسخ ترك الوضوء فهى دعوى بلا دليل فلا تقبل (قال) الباجى وعلى ترك الوضوء مما مست النار جميع الفقهاء في زماننا وإنما كان الخلاف فيه في زمان الصحابة والتابعين ثم وقع الإجماع على تركه وقد روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأسانيد لا بأس بها أنه قال توضؤوا مما أنضجت النار (واختلف) أصحابنا في تأويل ذلك (فمنهم) من قال إنه لم يكن قطّ الوضوء مما أنضجت النار واجبا وإنما كان معناه المضمضة وغسل الفم على وجه الاستحباب (ومنهم) من قال قد كان واجبا ثم نسخ وتعلقوا في ذلك بما

<<  <  ج: ص:  >  >>