للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال عبد اللَّه: حدثني أبي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، نا حماد -يعني: ابن سلمة- عن عمار، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَقِيَ آدَمَ مُوسَى عليهما السلام، فَقَالَ: أَنْتَ آدَمُ الذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، ثُمَّ فعلت ما فعلت؟ قَالَ: أَنْتَ مُوسَى الذِي كَلَّمَكَ اللَّهُ، واصطفاك برسالته، وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ، أنا أقدم أم الذكر؟ قال بل الذكر، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدمُ مُوسَى" (١).

"السنة" لعبد اللَّه ٢/ ٣٩٩ - ٤٠٠ (٨٦٨).


(١) رواه الإمام أحمد ٢/ ٤٦٤، وهو عند البخاري (٣٤٠٩)، ومسلم (٢٦٥٢) دون قوله: "أنا أقدم أم الذكر".
قال ابن القيم بعد أن ذكر كلامًا طويلًا في الرد على المبتدعة: إذا عرف هذا فموسى صلوات اللَّه وسلامه عليه أعرف باللَّه وأسمائه وصفاته من أن يلوم على ذنب قد تاب منه فاعله، واجتباه ربه بعده وهداه واصطفاه، وآدم صلوات اللَّه عليه وسلامه أعرف بربه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته، بل إنما لام موسى آدم على المصيبة التي نالت الذرية بخروجهم من الجنة، ونزولهم إلى دار الابتلاء والمحنة، بسبب خطيئة أبيهم، فذكر الخطيئة تنبيهًا على سبب المصيبة والمحنة التي نالت الذرية، ولهذا قال له: "أخرجتنا ونفسك من الجنة" وفي لفظ: "خيبتنا" فاحتج آدم بالقدر على المصيبة، وقال: إن هذِه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئتي كانت مكتوبة مقدرة قبل خلقي، والقدر يحتج به في المصائب دون المعائب، أي: أتلومني على مصيبة قُدرت عليّ وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا سنة؟ هذا جواب شيخنا رحمه اللَّه.
وقد يتوجه جواب آخر: هو أن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع، ويضر في موضع، فينفع إذا احتج به بعد وقوعه والتوبة منه، وترك معاودته، كما فعل آدم، فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد ومعرفة أسماء الربّ وصفاته، وذكرها ما ينتفع به الذاكر والسامع؛ لأنه لا يدفع بالقدر أمرًا ونهيًا؛ ولا يبطل به شريعة، بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوة، يوضحه: أن آدم قال لموسى: "أتلومني على أن عملت عملًا كان مكتوبًا عليَّ =

<<  <  ج: ص:  >  >>