للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولأن من آذاه كان وعيد الله لا حقا به، {فَلَمَّا زَاغُوا} عن الحق {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} بأن منع الطافه عنهم {واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} لا يلطف بهم لأنهم ليسوا من أهل اللطف.

فإن قلت: ما معنى {قَدْ} في قوله {وقَد تَّعْلَمُونَ}؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكَذِبَ وهُوَ يُدْعَى إلَى الإسْلامِ} أي: قضية الدعوى إلى الإسلام توقير من يدعو إليه، وتوقير حرمته، وإجابة دعوته، والتفادي عن إخلاف المواعيد وعما يؤذيه من القول والفعل؟

قوله: ({واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ}: لا يلطف بهم)، قال صاحب "الفرائد": لا يهدي من يريد الفسق، وهو من باب ذكر الفعل وإرادة الإرادة، نحو: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩].

وقلت: هذا التقدير غير مفتقر إليه، لأن هذه الفاصلة تذييل للآية، وكالتعليل لقوله: {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}. والمراد بقوله: {زَاغُوا} أذى موسى عليه السلام.

وبيانه: أن القوم لما آذوا موسى عليه السلام ورموه بالأدرة زاغوا وفسقوا، وأدى ذلك إلى أن خذلهم الله وطبع على قلوبهم، وهذا التقرير غير ضار لمذهب أهل السنة، لأن ذلك الأذى والفسق كان كسبًا لهم، وقد تقرر أن صغائر الذنوب مستجلبة لكبائرها، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ١٤] وأما التذييل الثاني، وهو قوله: {واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} فهو تقرير لقوله: {ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وهُوَ يُدْعَى إلَى الإسْلامِ} لأن الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، وغليه أشار بقوله: "وأي الناس أشد ظلمًا ممن يدعوه ربه على لسان نبيه إلى الإسلام، فيجعل إجابته افتراء الكذب على الله"، يعني كان جزاء الداعي القبول والتصديق، فوضعوا موضعه أن كذبوه وسموا ما جاء به سحرًا.

وكما روعي في هذين التذييلين هذه المناسبة روعيت في قوله: {ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ}، وذلك أن الكفر في الأصل الستر والتغطية، ومن يحاول إطفاء نور الله يحاول إخفاء الحق

<<  <  ج: ص:  >  >>